للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى إسْقَاطِهَا أَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَقَاءُ فَسَادِ الشَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةِ وَعَدَمُ صَلَاحِ الشُّفْعَةِ وَالتَّكْمِيلِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْبَيْعُ.

وَهَذَا كَثِيرٌ فِي جَمِيعِ الشَّرْعِيَّاتِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ ظَهَرَتْ لِلْمُكَلَّفِينَ حِكْمَتُهُ أَوْ غَابَتْ عَنْهُمْ لَا يَشُكُّ مُسْتَبْصِرٌ أَنَّ الِاحْتِيَالَ يُبْطِلُ تِلْكَ الْحِكْمَةَ الَّتِي قَصَدَهَا الشَّارِعُ فَيَكُونُ الْمُحْتَالُ مُنَاقِضًا لِلشَّارِعِ مُخَادِعًا فِي الْحَقِيقَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَكُلَّمَا كَانَ الْمَرْءُ أَفْقَهَ فِي الدِّينِ وَأَبْصَرَ بِمَحَاسِنِهِ كَانَ فِرَارُهُ عَنْ الْحِيَلِ أَشَدَّ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِسِيَاسَةِ الْمُلُوكِ بَلْ بِسِيَاسَةِ الرَّجُلِ أَهْلَ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَارَضَهُ بَعْضُ الْأَذْكِيَاءِ الْمُحْتَالِينَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ بِإِقَامَةِ صُوَرِهَا دُونَ حَقَائِقِهَا لَعَلِمَ أَنَّهُ سَاعٍ فِي فَسَادِ أَوَامِرِهِ، وَأَظُنُّ كَثِيرًا مِنْ الْحِيَلِ إنَّمَا اسْتَحَلَّهَا مَنْ لَمْ يَفْقَهْ حِكْمَةَ الشَّارِعِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الْتِزَامِ ظَاهِرِ الْحُكْمِ فَأَقَامَ رَسْمَ الدِّينِ دُونَ حَقِيقَتِهِ وَلَوْ هُدِيَ رُشْدَهُ لَسَلَّمَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَطَاعَ اللَّهَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الشَّرَائِعَ تَحْتَهَا حِكَمٌ وَإِنْ لَمْ يَهْتَدِ هُوَ لَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ سَبَبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُزِيلٌ لِحِكْمَةِ الشَّارِعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ مَا أَزَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا يَعْتَقِدُ أَنَّ رَأْيَهُ أَصْلَحُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ خُصُوصًا أَوْ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا عُمُومًا لِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَوْ صَاحِبُ شَهْوَةٍ قَاهِرَةٍ تَدْعُوهُ إلَى تَحْصِيلِ غَرَضِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ ظَاهِرِ رَسْمِ الْإِسْلَامِ، أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ وَالشَّرَفَ بِالْفُتْيَا الَّتِي يَنْقَادُ لَهُ بِهَا النَّاسُ وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ عِنْدَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ إلَّا بِهَذِهِ الْحِيَلِ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّيْءَ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لِمَعْنًى رَآهُ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهِ وَيَخَافُ الشَّنَاعَةَ فَيَحْتَالُ بِحِيلَةٍ يُظْهِرُ بِهَا تَرْكَ الْحَرَامِ وَمَقْصُودُهُ اسْتِحْلَالُهُ فَيُرْضِي النَّاسَ ظَاهِرًا أَوْ يَعْمَلُ بِمَا يَرَاهُ بَاطِنًا وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» .

وَإِنَّمَا الْفِقْهُ فِي الدِّينِ فَهْمُ مَعَانِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِيَسْتَبْصِرَ الْإِنْسَانُ فِي دِينِهِ أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] فَقَرَنَ الْإِنْذَارَ بِالْفِقْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مَا وَزَعَ عَنْ مُحَرَّمٍ أَوْ دَعَا إلَى وَاجِبٍ وَخَوَّفَ النُّفُوسَ مَوَاقِعَهُ الْمَحْظُورَةَ لَا مَا هَوَّنَ عَلَيْهَا اسْتِحْلَالَ الْمَحَارِمِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>