للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِمْ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسِهَا وَقَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الشَّاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّ الْغَايَاتِ دَاخِلَةٌ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تُوجَدَ الْغَايَةُ الَّتِي هِيَ نِكَاحُ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ إذَا وُجِدَتْ انْتَهَى ذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمَحْدُودُ إلَيْهَا، وَانْقَضَى، وَهَذَا الْقَدْرُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي بَيَانِ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ إذَا فَارَقَهَا الثَّانِي بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَكَحَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ فَقَدْ زَالَ التَّحْرِيمُ الَّذِي كَانَ وُجِدَ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَقِيَتْ كَسَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ فِيهَا تَحْرِيمٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا زَالَ هَذَا التَّحْرِيمُ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ التَّحْرِيمَيْنِ، فَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ، أَوْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِنِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ، مَجْمُوعُ مُدَّةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ. كَمَا يُقَالُ لَا أُكَلِّمُك حَتَّى تُصَلِّيَ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ نِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ.

وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَلَمَّا قِيلَ بَعْدَ هَذَا فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ غَيْرُ بَيَانِ تَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَى الطَّلَاقِ، وَهُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الزَّوْجَ مَوْصُوفٌ بِجَوَازِ التَّطْلِيقِ، وَعَدَمِ جَوَازِهِ أَعْنِي وُقُوعَهُ تَارَةً وَعَدَمَ وُقُوعِهِ أُخْرَى، وَإِذَا أَرَدْت وُضُوحَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]

{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] لَمَّا كَانَ التَّطْهِيرُ فِعْلًا مَقْصُودًا جِيءَ فِيهِ بِحَرْفِ التَّوْقِيتِ؛ وَلَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ هُنَا غَيْرَ مَقْصُودٍ جِيءَ فِيهِ بِحَرْفِ التَّعْلِيقِ. فَلَوْ كَانَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ مَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى تَنْكِحَ لَكَانَ هُوَ الْغَالِبَ عَلَى نِكَاحِ الْمُطَلَّقَاتِ.

وَكَانَ الطَّلَاقُ فِيهِ مَقْصُودًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ تِلْكَ الْآيَةِ. لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ. إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّفَ الْحِلُّ عَلَى شَرْطَيْنِ قَالَ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] . فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ الثَّابِتَ بِفِعْلِ اللَّهِ زَالَ بِوُجُودِ الطُّهْرِ. ثُمَّ بَقِيَ نَوْعٌ آخَرُ أَخَفُّ مِنْهُ. يُمْكِنُ زَوَالُهُ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ بَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] .

<<  <  ج: ص:  >  >>