للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ هِيَ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْمُبْتَدَإِ. فَإِنَّ ظَنَّ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ مَوْجُودَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَالٌ تُخَالِفُ هَذَا، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ شَرٍّ فَإِذَا ارْتَجَعَا مُرِيدًا لِلشَّرِّ بِهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ تَسْرِيحُهَا هُوَ الْوَاجِبُ. لَكِنْ قَالَ هُنَاكَ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فَجَعَلَ الرَّدَّ إلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّجْعِيَّةِ.

وَقَالَ هُنَا أَنْ يَتَرَاجَعَا فَجَعَلَ التَّرَاجُعَ إلَى الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَهِيَ لَا تَحِلُّ بَعْدَ الزَّوْجِ الثَّانِي إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ مَوْقُوفٍ عَلَى رِضَاهَا وَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا طَلْقَتَانِ وَفِدْيَةٌ وَطَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، إنَّمَا أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي قَدْ يُخَافُ فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ فِيهِ عُلِمَ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُبَاحَ هُوَ النِّكَاحُ الَّذِي يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ فِي الْمُعَاشَرَةِ، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ وَطْئِهَا فَلَيْسَ هُنَاكَ عِشْرَةٌ يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الظَّنُّ شَرْطًا فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ.

وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ أَرَادَ الْمُطَلِّقُ الْأَوَّلُ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْمُطَلِّقِ الثَّانِي، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَا يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، قِيلَ لَهُ إذَا قَالَ لَك الْمُحَلِّلُ أَنَا مِنْ نِيَّتِي أَنْ أَطَأَهَا السَّاعَةَ وَأُطَلِّقَهَا عَقِيبَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ هِيَ مِنْ نِيَّتِهَا ذَلِكَ فَهَلْ يُبَاحُ لَنَا ذَلِكَ، مَعَ إنْ أَقَمْنَا لَمْ نَظُنَّ أَنَّا نُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنْ قَالَ لَا بَطَلَ مَذْهَبُهُ وَتَرَكَ أَصْلَهُ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ غَالِبَ الْمُحَلِّلِينَ أَعْنِي الرَّجُلَ الْمُحَلِّلَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهُ لِيُفَارِقَهُ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ نِيَّتُهُ كَيْفَ يَظُنُّ أَنْ يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ مَعَهُ، لَا سِيَّمَا إذَا تَشَارَطَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَظُنَّ إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يُعَاشِرُهَا فِيهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ حُسْنَ الْعِشْرَةِ سَاعَةً وَيَوْمًا لَا يَعْدَمُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْرُوطُ فَهَذَا حَاصِلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>