للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّ إمْسَاكَهُنَّ ضِرَارًا مِنْ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ الْمُمْسِكَ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَقْصُودِ النِّكَاحِ بَلْ إنَّمَا نَكَحَ لِيُطَلِّقَ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَلَا مِنْ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّحْلِيلَ مِنْ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ثَبَتَ أَنَّهُ حَرَامٌ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فَسَادُهُ بِإِبْطَالِ مَقْصُودِ الْمُحَلِّلِ مِنْ ثُبُوتِ نِكَاحِهِ ثُمَّ نِكَاحِ الْمُطَلِّقِ، وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فِي الِاسْتِدْلَالِ بِآيَاتِ الِاسْتِهْزَاءِ، فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعُقُودِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ هُنَا لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِهْزَاءِ فِي النِّكَاحِ بِخُصُوصِهِ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، ثُمَّ لَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إبْطَالِ الِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْهَازِلِ وَالْمُحَلِّلِ بَطَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْصُودُهُ، وَمَقْصُودُ الْهَازِلِ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ، فَصَحَّحَ عَقْدَهُ، وَمَقْصُودُ الْمُحَلِّلِ هُوَ التَّحْلِيلُ فَلَا يَحْصُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِعَ لَهُ الْعَقْدُ]

ُ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الْعُقُودَ أَسْبَابًا إلَى حُصُولِ أَحْكَامٍ مَقْصُودَةٍ، فَشَرَعَ الْبَيْعَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْهِبَةَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ تَبَرُّعًا، وَالنِّكَاحَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْبُضْعِ، وَالْخُلْعَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، فَحَقِيقَةُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَقْصُودُهُمَا الْمُقَوِّمُ لَهُمَا الَّذِي لَا قِوَامَ لَهُمَا بِدُونِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَمِلْكُ الْمَالِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ بِجَمِيعِ الطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ، وَحَقِيقَةُ النِّكَاحِ وَمَقْصُودُهُ حُصُولُ السَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِمَنْفَعَةِ الْمُتْعَةِ وَتَوَابِعِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَحَقِيقَةُ الْخُلْعِ وَمَقْصُودُهُ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ هَذِهِ الْعُقُودِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِمَقَاصِدِهَا وَحَقَائِقِهَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ لَمْ يَرْضَ لِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ الرِّضَا فِي الْبَيْعِ، فَهُوَ فِي النِّكَاحِ أَعْظَمُ اعْتِبَارًا، وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ إرَادَةٌ لَهُ وَرَغْبَةٌ فِيهِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا وَلَا رَاغِبًا فِي مَقْصُودِ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ، فَلَا عَقْدَ لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْعَقْدِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>