للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَدِيمَةٌ فَلَوْ أَثْبَتَ كَوْنَهُ تَعَالَى مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ حَكَمْنَا بِحُدُوثِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَسْئِلَةً مِنْهَا مِمَّا نَعَاهُ تَارَةً فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي لِلَّهِ وَتَارَةً فِي قِدَمِهَا وَقَالَ وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْجِعَ بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْخَبَرِ إلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى مَوْصُوفًا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ قَدِيمَةٌ بِقَوْلِكُمْ كُلُّ مَنْ أَثْبَتَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ، أَثْبَتَهَا قَدِيمَةً قُلْت الْقَوْلُ فِي إثْبَاتِهَا مَسْأَلَةٌ، وَالْقَوْلُ فِي قِدَمِهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى.

فَلَوْ لَزِمَ مِنْ ثُبُوتِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُبُوتُ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى لَزِمَ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِعِلْمٍ قَدِيمٍ إثْبَاتُ كَوْنِهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ قَدِيمٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا فَكَذَا مَا ذَكَرْتُمُوهُ، ثُمَّ لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْإِجْمَاعِ يَقْتَضِي قِدَمَ كَلَامِ اللَّهِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَّةِ لَمْ يُثْبِتْ قِدَمَ كَلَامِ اللَّهِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فَيَكُونُ التَّمَسُّكُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ، ثُمَّ ذَكَرَ مُعَارَضَاتِ الْمُخَالِفِ بِوُجُوهٍ عَقْلِيَّةٍ وَنَقْلِيَّةٍ تِسْعَةً، وَقَالَ فِي الْجَوَابِ قَوْلُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ خَبَرَ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بِنِسْبَةِ أَمْرٍ إلَى أَمْرٍ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ هُوَ الْعِلْمُ، قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْقَائِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَائِلَانِ، قَائِلٌ يَقُولُ نُثْبِتُ لِلَّهِ تَعَالَى خَبَرًا قَدِيمًا وَنُثْبِتُ كَوْنَهُ مُغَايِرًا لِلْعِلْمِ، وَقَائِلٌ لَا نُثْبِتُ لَهُ خَبَرًا قَدِيمًا أَصْلًا فَلَوْ قُلْنَا إنَّ اللَّهَ لَهُ خَبَرٌ قَدِيمٌ ثُمَّ قُلْنَا إنَّهُ هُوَ الْعِلْمُ، كَانَ ذَلِكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخَبَرِ فِي الشَّاهِدِ لَيْسَتْ هِيَ الظَّنَّ وَالْعِلْمَ وَالِاعْتِقَادَ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْغَائِبِ، كَذَلِكَ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْخَبَرِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ قَوْلُهُ سَلَّمْنَا ثُبُوتَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلَّهِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهَا قَدِيمَةٌ، قُلْنَا لِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ لَوْ لَزِمَ مِنْ الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِلَّهِ إثْبَاتُ قِدَمِهَا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ بِالثَّانِي لَزِمَ مِنْ الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ إثْبَاتُ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ بِالثَّانِي، قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْمَحْصُولِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يُسَاعِدُونَنَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ إثْبَاتَ قِدَمِ كَلَامِ اللَّه بِهَذِهِ الطَّرِيقِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ، قُلْنَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمَحْصُولِ أَنَّ إحْدَاثَ دَلِيلٍ لَمْ يَذْكُرْهُ أَهْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>