للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ ضَالِّينَ حَيْثُ حَكَمْتُمْ جَمِيعًا بِخَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا لَمْ يَجُزْ ذَمُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ وَلَا عَيْبُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ مَخْلُوقًا، وَلَا أَنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ فِي الْمَخْلُوقِ وَلَا أَنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَةَ هِيَ الْقَائِلَةَ إنَّنِي أَنَا اللَّهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا السَّلَفُ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَنْ قَالَ إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا يَنْبَغِي، لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ.

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ: مَنْ قَالَ إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا زَعَمُوا فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ إذْ قَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ وَقَوْلُ {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] فَقَدْ ادَّعَى مَا ادَّعَى فِرْعَوْنُ فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ، مِنْ هَذَا وَكَلَامِهِمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ وَوَافَقَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَاسْتَحْسَنَهُ وَغَايَةُ مَا يُعَابُ بِهِ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ نَفَى عَنْ اللَّهِ مَعْنًى آخَرَ يُثْبِتُونَهُ لَهُ، ذَلِكَ الْمَعْنَى أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُونَهُ لَا الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْكُمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ بِالشَّجَرَةِ وَلَا غَيْرِهَا، حَتَّى تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ لَهُ، وَالسَّلَفُ لَمْ يَعِيبُوهُمْ بِهَذَا، وَلَا قَالُوا لَهُمْ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، لَكِنَّ ثَمَّ مَعْنًى آخَرُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَلَا قَالُوا هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ إنَّهُ مَخْلُوقٌ هُوَ مَخْلُوقٌ. لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ بِكَلَامِ اللَّهِ وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي قَالُوا هُوَ مَخْلُوقٌ هُوَ مَخْلُوقٌ، كَمَا قَالُوا لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُ اللَّهِ مَعْنًى آخَرُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ السَّلَفَ مُخْطِئُونَ ضَالُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ إمَّا تَضْلِيلُكُمْ الْمُعْتَزِلَةُ أَوْ تَضْلِيلُ السَّلَفِ، وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ، فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ يُؤَيِّدُ هَذَا.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ إذَا اُخْتُلِفَ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِ الْأُمَّةِ إلَّا قَوْلُ السَّلَفِ وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَنَّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلٌ لِلْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ مِنْهَا أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّوَاتُرِ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُمْ إذَا وَصَفُوا اللَّهَ بِالْكَلَامِ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ لَا أَنَّ الْكَلَامَ يَكُونُ مَخْلُوقًا لَهُ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا كَمَا يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَيُعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>