للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَادِثَةٌ عِنْدَ حُدُوثِ الْمُخَاطَبِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ كِلَابٍ، أَوْ قَدِيمَةٌ كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ، فَيُقَالُ لَكُمْ هَذَا بِعَيْنِهِ يُقَالُ لَهُمْ فِي الصِّفَاتِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ هَذِهِ الصِّفَاتِ حَقِيقَةً وَاحِدَةً، وَهَذِهِ الْخَصَائِصُ عَوَارِضَ نِسْبِيَّةً لَهَا، بَلْ جَعْلُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ بِمَعْنَى عِلْمٍ خَاصٍّ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ جَعْلِ حَقِيقَةِ مَعْنَى كُلِّ خَبَرٍ حَقِيقَةَ مَعْنَى كُلِّ أَمْرٍ، وَحَقَائِقُ مَعَانِي الْأَخْبَارِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ الرَّازِيّ:

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ تُفِيدُ فَائِدَة الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ السَّبْعَةِ، قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْحَالِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ يَعْنِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ هُوَ الْخَبَرُ قَالَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ، فَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَوَّلَ فِي إبْطَالِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهَا وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَهَا قَالَ إنَّهَا صِفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ، قُلْت وَهَذِهِ الْحُجَّةُ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهَا فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: إنَّ هَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ حَقِيقَةَ مَعْنَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ هُوَ حَقِيقَةَ مَعْنَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْجِنِّ وَالْجَحِيمِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَعَانِيَ الْكَلَامِ تَتْبَعُ الْحَقَائِقَ الْخَارِجَةَ وَتُطَابِقُهَا فَمَعْنَى الْخَبَرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُطَابِقُ ذَلِكَ وَمَعْنَى الْخَبَرِ عَنْ الْجِنِّ وَالنَّارِ يُطَابِقُ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ هُوَ حَقِيقَةُ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا مُطَابِقٌ لِمُخْبِرِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُخْبِرَ هُوَ هَذَا الْمُخْبِرَ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْحَقَائِقُ الْمَوْجُودَةُ كُلُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا فَتَكُونَ الْجَنَّةُ هُوَ النَّارَ وَالْمَلَائِكَةُ هُمْ الشَّيَاطِينُ وَالْمَوْجُودُ هُوَ الْمَعْدُومَ وَالثُّبُوتُ هُوَ الِانْتِفَاءَ.

وَفِي ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ مَا لَا يُحْصَى، وَهَذَا لَازِمٌ لِقَوْلِهِمْ لَا مَحِيدَ عَنْهُ فَإِنَّ الْخَبَرَ الصَّادِقَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ وَالْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ يُطَابِقُ الْحَقِيقَةَ الْمَوْجُودَةَ، وَكُلُّ أَخْبَارِ اللَّهِ صَادِقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ جَمِيعُهَا حَقِيقَةً وَاحِدَةً لَيْسَ فِيهَا تَغَايُرٌ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مُطَابِقَةً لِلْوُجُودِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مُطَابَقَتُهُ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَالْحُكْمُ الْوَاحِدُ الذِّهْنِيُّ الَّذِي لَا تَغَايُرَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إذَا طَابَقَ الْمَحْكُومَ بِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ بِهِ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>