للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَهَى عَنْ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ، فَإِذَا كَانَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ هِيَ حَقِيقَةَ النَّهْيِ، إنَّمَا لَهَا نِسْبَةٌ إلَى الْأَفْعَالِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، بَلْ إذَا قِيلَ إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ إذْ كَانَتْ الْحَقِيقَةُ وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّعَلُّقُ وَالتَّعَلُّقُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ يَمْنَعُ الِاخْتِلَافَ بَلْ يُمْكِنُ فَرْضُ تَعَلُّقِهِ أَمْرًا كَتَعَلُّقِهِ نَهْيًا مَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ بَاقِيَةٌ فَيُمْكِنُ عَلَى هَذَا تَقْدِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَبِالْعَكْسِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ شَيْءٌ مِنْ الْحَقَائِقِ.

[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ إنَّهُمْ قَدْ ذَكَرُوا حُجَّتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ]

َ وَإِذَا تَدَبَّرَهَا الْإِنْسَانُ عَلِمَ فَسَادَهَا وَبِنَاءَهَا عَلَى أَصْلٍ فَاسِدٍ، وَتَنَاقُضَهُمْ فِيهَا، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ أَمْرُهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ هُوَ نَهْيُهُ عَنْ الْكُفْرِ وَأَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ هُوَ نَهْيُهُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ غَيْرِهِ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ يَقُولُ إنَّ مَدْحَهُ الْمُؤْمِنَ عَلَى إيمَانِهِ بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ ذَمٌّ لِلْكَافِرِينَ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْقَوْلُ بِتَغَايُرِ كَلَامِهِ وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ بَلْ نَقُولُ فِيهِ كَمَا نَقُولُ فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، فَنَقُولُ إنَّ عِلْمَهُ بِوُجُودِ الْمَوْجُودِ هُوَ عِلْمُهُ بِعَدَمِهِ إذَا عُدِمَ وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَهُ هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ فِي حَالِ إيجَادِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا قُدْرَةٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ بَقَائِهِ وَرُؤْيَتِهِ لِآدَمَ وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ هِيَ رُؤْيَتُهُ لَهُ هُوَ فِي الدُّنْيَا وَسَمْعُهُ لِكَلَامِ زَيْدٍ هُوَ سَمْعُهُ لِكَلَامِ عَمْرٍو مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ وَاخْتِلَافٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِهِ وَنُعُوتِهِ لِذَاتِهِ.

وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْقِلُ كَلَامَ وَاحِدٍ يَجْمَعُ أَوْصَافًا مُخْتَلِفَةً حَتَّى يَكُونَ أَمْرًا نَهْيًا خَبَرًا اسْتِخْبَارًا وَوَعْدًا وَوَعِيدًا قِيلَ يَعْقِلُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ وَلَا أَجْزَاءٍ وَلَا آلَاتٍ وَاَلَّذِي أَوْجَبَ كَوْنَهُ كَذَلِكَ قِدَمُهُ وَوَجَبَ مُخَالَفَتُهُ لِلْمُتَكَلِّمِينَ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ فِي الْمُحْدَثَاتِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا لَيْسَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ فَإِنَّ السَّائِلَ قَالَ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مُخْتَلِفًا.

فَإِنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ النَّصَارَى هُوَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ جَوَاهِرَ، وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ جَوَابًا عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَهَذِهِ عَادَةُ ابْنِ فُورَكٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا نُوظِرَ قُدَّامَ مَحْمُودِ بْنِ سبكتكين أَمِيرِ الْمَشْرِقِ فَقِيلَ لَهُ لَوْ وُصِفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>