للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْيٍ سِوَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَا عَقْلِيٌّ فَالنَّفْيُ بِلَا دَلِيلٍ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عِنْدَنَا لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَطْلُوبِ الَّذِي يُطْلَبُ الْعِلْمُ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَدِيهَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ صِفَاتٍ كَثِيرَةً وَلِمَ أَوْجَبْت أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ مَعْدُودًا بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْت مِنْ قِدَمِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَدُّدَهُ إذْ الصِّفَاتُ عِنْدَك مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدِيمَةٌ، وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ، أَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ مَوْجُودٍ لَا صِفَةَ لَهُ كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا بَطَلَ قَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ.

الْوَجْهُ الْأَرْبَعُونَ: إنَّ قَوْلَك يُعْقَلُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا يُقَالُ لَك الدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْنًى وَاحِدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ كَوْنَهُ مَعْنًى وَاحِدًا لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هُوَ النَّهْيَ وَهُوَ الْخَبَرَ وَهُوَ الِاسْتِخْبَارُ وَقَوْلُك بَعْدَ هَذَا بِالدَّلِيلِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا يُقَالُ لَك إذَا لَمْ تُقِمْ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ هَذَا فَيُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْإِدْرَاكِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ ثُمَّ هَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ أَوْ يُخَالِفُ لَهُ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ بِغَيْرٍ لَهُ وَلَا مُخَالِفٍ لَهُ أَوْ لَا يُقَالُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا أَوْ يُقَالُ هَذَا بِاعْتِبَارٍ وَهَذَا بِاعْتِبَارٍ وَهَذَا بِاعْتِبَارٍ هَذِهِ مُنَازَعَاتٌ لَفْظِيَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلُّ قَوْلٍ يَخْتَارُهُ فَرِيقٌ وَالْمُنَازَعَاتُ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ بِهَا الشَّرِيعَةُ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهَا بَلْ الْمَقْصُودُ الْمَعْنَى نَعَمْ إذَا كَانَ اللَّفْظُ شَرْعِيًّا كُنَّا مَأْمُورِينَ بِحِفْظِ حَدِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: ٩٧] وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَك بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا.

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: إنَّ قَوْلَك عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ يُقَالُ لَك كَوْنُهُ عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُسَوِّغُ مَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهُ كَاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَكَوْنُ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا تَغَايُرَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ وَكَوْنِ صِفَةِ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ لَا يُسَوِّغُ هَذَا الْمُمْتَنِعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>