للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ بِاجْتِمَاعِ حُرُوفِهَا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ؛ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ فَحْلُ الطَّائِفَةِ أَنَّ النَّسْخَ رَفَعَ الْحُكْمَ بِعَيْنِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَيَكُونُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَمَرَ بِشَيْءٍ وَنَهَى عَنْ نَفْسِ مَا أَمَرَ بِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ مُضَادٌّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ أَعْظَمُ مِنْ مُضَادَّةِ السَّوَادِ لِلْبَيَاضِ فَإِذَا كَانُوا يَلْتَزِمُونَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَجْعَلُونَ الضِّدَّيْنِ شَيْئًا وَاحِدًا كَيْفَ يَمْنَعُونَ اجْتِمَاعَ حَرْفَيْنِ أَوْ صَوْتَيْنِ وَذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَازِمٌ لِجَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ حَكَوْا عَنْ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، هَلْ هِيَ؛ مُتَعَاقِبَةٌ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً قَوْلَيْنِ.

كَمَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَصْوَاتِ.

[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتِينَ لِلْحُرُوفِ الْقَدِيمَةِ قَالُوا مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ]

الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنْبِتِينَ لِلْحُرُوفِ الْقَدِيمَةِ قَالُوا مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ وَالْخَبَرُ فَقَالُوا التَّرْتِيبُ وَالتَّعَاقُبُ نَوْعَانِ تَرْتِيبٌ وُجُودِيٌّ زَمَانِيٌّ كَتَرْتِيبِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ وَالْيَوْمِ عَلَى الْأَمْسِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يَمْتَنِعُ فِي الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَالثَّانِي: تَرْتِيبٌ ذَاتِيٌّ حَقِيقِيٌّ لَيْسَ بِزَمَانِيٍّ كَتَرْتِيبِ الصِّفَاتِ عَلَى الذَّاتِ، وَالْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ إذَا قُدِّرَ ذَلِكَ فَإِنَّا نَعْقِلُ هُنَا تَرْتِيبَاتٍ وَتَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا بِالذَّاتِ دُونَ الْوُجُودِ وَالزَّمَانِ.

وَهَذَا كَمَا لَوْ فُرِضَ مُصْحَفٌ كُتِبَ آخِرُهُ قَبْلَ أَوَّلِهِ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى آخِرِهَا بِالذَّاتِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كُتِبَ بَعْدَهُ قَالُوا وَالْكَلَامُ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ مُتَرَتِّبٌ فِي حَقِّ اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا بِالتَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ، كَمَا يُوجَدُ فِي قِرَاءَةِ الْقَارِئِينَ مِنْ تَرْتِيبِ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ جَمِيعًا فِي الزَّمَانِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ لَا يُنَافِي قِدَمَهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا فِي هَذَا مِنْ إثْبَاتِ تَعَدُّدِ الْمَعَانِي لِتَعَدُّدِ الْحُرُوفِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ جَعْلِ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَلِفَةِ مَعْنًى وَاحِدًا ثُمَّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ بِالتَّحْكِيمِ، فَإِنَّ هَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِجَعْلِهِمَا شَيْئًا وَاحِدًا وَتَفْرِيقٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِيمَا اشْتَرَكَا فِيهِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: أَنْ نَقُولَ قَوْلُكُمْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الصَّوْتَيْنِ فِي الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ وَأَثْبَتُّمْ ذَلِكَ شَاهِدًا وَغَائِبًا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ وَحْدَةَ الْبَارِي عِنْدَكُمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>