للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ - قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٨٣ - ٨٤] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] فَدِينُ اللَّهِ أَنْ يَدِينَهُ الْعِبَادُ وَيَدِينُونَ لَهُ فَيَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ وَيُطِيعُونَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَهُ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَ هَذَا دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: ١٩] فَذَكَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.

وَالْإِلَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ فِي اللَّهِ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ بِرَبِّهِ مُتَّخِذٌ مِنْ دُونِهِ إلَهًا آخَرَ فَلَيْسَتْ الْإِلَهِيَّةُ هُوَ الْخَلْقَ أَوْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْخَلْقِ أَوْ الْقِدَمَ كَمَا يُفَسِّرُهَا هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدَعُونَ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إذْ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ فِي أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ فَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْإِلَهِيَّةَ لَكَانُوا قَائِلِينَ إنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَهَذَا مَوْضِعٌ عَظِيمٌ جِدًّا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ لِمَا قَدْ لُبِّسَ عَلَى طَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ أَصْلُ الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارُوا يَدْخُلُونَ فِي أُمُورٍ عَظِيمَةٍ هِيَ شِرْكٌ يُنَافِي الْإِسْلَامَ لَا يَحْسِبُونَهَا شِرْكًا وَأَدْخَلُوا فِي التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ أُمُورًا بَاطِلَةً ظَنُّوهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَهِيَ تُنَافِيهِ وَأَخْرَجُوا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ أُمُورًا عَظِيمَةً لَمْ يَظُنُّوهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَهِيَ أَصْلُهُ فَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَجْعَلُونَ التَّوْحِيدَ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَاعْتِقَادِ ذَلِكَ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ وَاعْتِقَادِ ذَلِكَ بَلْ التَّوْحِيدُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَوْحِيدِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ وَهُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَنْ يَقْصِدَ اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ وَيُرِيدَهُ بِذَلِكَ دُونَ مَا سِوَاهُ وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَتَضَمَّنُ أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ سَالِمًا فَلَا يُشْرِكُهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ وَسُورَةُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] تُفَسِّرُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>