للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: فَهَذَا مَا ذَكَرُوهُ وَمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَبْطَلْ الْقَوْلِ وَأَفْسَدِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُمْ أَوْرَدُوا سُؤَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ شَيْئًا وَاحِدًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّبَّ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ جَعَلَ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ: إنَّ هَذَا مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى هِيَ مُتَعَدِّدَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ بِاللُّغَاتِ، وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكُتُبُ مَعَ تَعَدُّدِهَا وَتَنَوُّعِهَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَفِي الْفَرْعِ، أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى لَيْسَتْ مُتَرَادِفَةً بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْنَى كُلِّ اسْمٍ هُوَ مَعْنَى الِاسْمِ الْآخَرِ وَلَا هِيَ أَيْضًا مُتَبَايِنَةً التَّبَايُنَ فِي الْمُسَمَّى وَفِي صِفَتِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُسَمَّى كَالْمُتَرَادِفَةِ وَمِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى صِفَاتِهِ كَالْمُتَبَايِنَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ كَثِيرٌ وَمِنْهُ أَسْمَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْمَاءُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَجْعَلُ هَذَا قِسْمًا مِنْ الْمُتَرَادِفِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مِنْ الْمُتَبَايِنِ قِسْمًا ثَالِثًا قَدْ يُسَمِّيهِ الْمُتَكَافِئُ، وَالْمَقْصُودُ فَهْمُ الْمَعْنَى، فَإِذَا قِيلَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ وَقِيلَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ: فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّى بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْعِلْمِ، وَالثَّالِثُ بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ، وَالرَّابِعُ بِصِفَةِ السَّمْعِ، وَالْخَامِسُ بِصِفَةِ الْبَصَرِ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَ أَحَدُهَا هُوَ الْآخَرَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرُهُمْ فَصِفَاتُ كُلِّ اسْمٍ يَدُلُّ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْآخَرُ مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسَمَّى نَعَمْ وَقَدْ يَدُلُّ الِاسْمُ عَلَى مَعْنَى الْآخَرِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالذَّاتُ تَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ لَكِنْ دَلَالَةُ اللُّزُومِ لَيْسَتْ هِيَ دَلَالَةَ الِاسْمِ اللُّغَوِيَّةَ وَاللُّزُومُ أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُعَرَّفَ تِلْكَ الصِّفَاتُ مِنْ غَيْرِ الِاسْمِ هُوَ الدَّالُّ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَعَدُّدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَقْتَضِ تَعَدُّدَ الْمُسَمَّى وَلَكِنْ اقْتَضَى تَعَدُّدَ صِفَاتِهِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَسْمَاءُ، وَهَؤُلَاءِ يُنَازِعُونَ فِي تَعَدُّدِ الصِّفَاتِ فِي الْجُمْلَةِ وَمُحَقِّقُوهُمْ لَا يَقُولُونَ إنَّهَا مَحْصُورَةٌ بِعَدَدٍ بَلْ يَقُولُونَ هَذَا الَّذِي عَلِمْنَاهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ مَا لَا نَعْلَمُهُ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ مُتَعَدِّدَةً وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَظِيرًا لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَكَثُّرِ الْعِبَارَاتِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى الْمُعَبَّرِ عَنْهُ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَلْسُنِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ تَارَةً تَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>