للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا سِيَّمَا وَلَفْظُ الشَّجَرِ يَعُمُّ كُلَّ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ صُلْبٍ أَوْ غَيْرِ صُلْبٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الضَّالَّةِ تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» .

الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: إنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَأَبَانَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهَ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ» . فَهَذِهِ التَّجْزِئَةُ إمَّا أَنْ تَعُودَ إلَى لَفْظِ الْقُرْآنِ وَإِمَّا أَنْ تَعُودَ إلَى مَعْنَاهُ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُرُوفَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] لَيْسَتْ بِقَدْرِ حُرُوفِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ بَلْ هِيَ أَقَلُّ مِنْ عُشْرِ عُشْرِ الْعُشْرِ بِكَثِيرٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّجْزِئَةِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى حُرُوفِ الْقُرْآنِ مُتَجَزِّئَةٌ وَهُمْ قَدْ قَالُوا إنَّ كَلَامَ اللَّهِ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَغَايَرُ وَلَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ التَّجْزِئَةَ لِلْحُرُوفِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَمَاثُلُ قَدْرِ الْحُرُوفِ بَلْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى لَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ التَّجْزِئَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ لَيْسَ هُوَ مَعَانِي بَقِيَّةِ الْقُرْآنِ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ امْرَأَةٍ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظٍ آخَرَ أَنَّهُ «قَالَ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالُوا وَكَيْفَ نَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» . فَقَوْلُهُ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا لَيْسَتْ ثُلُثَهُ وَلَكِنْ تَعْدِلُ ثُلُثَهُ أَيْ فِي الثَّوَابِ. قُلْنَا: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَإِنَّهَا ثُلُثُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهِيَ تَعْدِلُ ثُلُثَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ أَوْ هِيَ بِلَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا ثُلُثُهُ فَتَعْدِلُ ثُلُثَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي مَعْنَاهُ وَحَيْثُ قَالَ «جُزِّئَ الْقُرْآنُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] جُزْءًا مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ» فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ تَجَزَّأَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَإِنَّمَا هِيَ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>