للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مَنَاسِكِهِ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، وَمَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتهمَا عَنْ الرَّاجِلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ؟ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ، وَأَحْمَدُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ فِي الطَّهَارَةِ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ كَلَامُهُ فِيهَا يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي الطَّوَافِ، بَلْ سُنَّةٌ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ فِي تَرْكِهَا دَمًا، فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُحْدِثَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَعْلِيلُ الْمَنْعِ بِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، لَا بِخُصُوصِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، فَلَا يَكُونُ كَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مِفْتَاحُهَا الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَالطَّوَافُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَيَقُولُ: إنَّمَا مُنِعَ الْعُرَاةُ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ نَظَرِ النَّاسِ، وَلِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا، وَمَنْ قَالَ هَذَا، قَالَ الْمَطَافُ أَشْرَفُ الْمَسَاجِدِ، لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ طَائِفٍ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] .

فَأَمَرَ بِأَخْذِهَا عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَتِرَ لِنَفْسِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ تُفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ، فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالِاعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ جِنْسُ الْمَسَاجِدِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ طَوَافُ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ. كَمَا لَا يَحْرُمُ عِنْدَهُمْ الطَّوَافُ عَلَى الْمُحْدِثِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ، وَهُمَا إذَا كَانَا مُضْطَرَّيْنِ إلَى ذَلِكَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمُحْدِثِ، الَّذِي يُجَوِّزُونَ لَهُ الطَّوَافَ مَعَ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، إلَّا أَنَّ الْمُحْدِثَ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَسِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>