للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَأْثَرُوا وَظَلَمُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، وَاعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَا يَقَعُ.

وَمُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَاسِقٌ، وَالْأَئِمَّةُ لَا يُقَاتَلُونَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ الْمَقْدُورُ قَدْ يُقْتَلُ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ: كَالزِّنَا، وَغَيْرِهِ. فَلَيْسَ كُلَّمَا جَازَ فِيهِ الْقَتْلُ. جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ الْأَئِمَّةُ لِفِعْلِهِمْ إيَّاهُ؛ إذْ فَسَادُ الْقِتَالِ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ كَبِيرَةٍ يَرْتَكِبُهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ.

وَلِهَذَا نَصَّ مَنْ نَصَّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ تُصَلَّى خَلْفَ الْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا. وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ فُسَّاقٌ، وَقَدْ أَمَرَ بِفِعْلِهَا خَلْفَهُمْ نَافِلَةً.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْفِسْقَ بِتَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

لَكِنْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْكَبِيرَةُ تَفْوِيتُهَا دَائِمًا، فَإِنَّ ذَلِكَ إصْرَارٌ عَلَى الصَّغِيرَةِ.

قِيلَ لَهُ: قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَعِيدَ يَلْحَقُ بِتَفْوِيتِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِصْرَارَ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدِ، وَمَنْ أَتَى صَغِيرَةً وَتَابَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى كَبِيرَةً.

وَأَيْضًا فَمَنْ اشْتَرَطَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى التَّفْوِيتِ مُحْتَاجٌ إلَى ضَابِطٍ، فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى طُولِ عُمْرِهِ، لَمْ يَكُنْ الْمَذْكُورُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ أَرَادَ مِقْدَارًا مَحْدُودًا طُولِبَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا فَالْقَتْلُ بِتَرْكِ وَاحِدَةٍ أَبْلَغُ مِنْ جَعْلِ ذَلِكَ كَبِيرَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ تَارِك لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ]

٩٨ - ١٤ مَسْأَلَةٌ:

عَنْ مُسْلِمٍ تَارِكٍ لِلصَّلَاةِ، وَيُصَلِّ الْجُمُعَةَ. فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ؟

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَذَا اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْوَاجِبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَعْنُ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ جَائِزٌ، وَأَمَّا لَعْنَةُ الْمُعَيَّنِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهَا، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتُوبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>