للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ لِلتَّرْجِيعِ، وَظَنِّهِمْ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ غَلِطَ فِي نَقْلِهِ، وَأَنَّهُ كَرَّرَهُ لِيَحْفَظَهُ، وَمِنْ كَرَاهَةِ مَنْ خَالَفَهُمْ لِشَفْعِ الْإِقَامَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ يَخْتَارُونَ أَذَانَ أَبِي مَحْذُورَةَ. هَؤُلَاءِ يَخْتَارُونَ إقَامَتَهُ، وَيَكْرَهُونَ أَذَانَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَخْتَارُونَ أَذَانَهُ، وَيَكْرَهُونَ إقَامَتَهُ. فَكِلَاهُمَا قَوْلَانِ مُتَقَابِلَانِ. وَالْوَسَطُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا.

وَإِنْ كَانَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَخْتَارُونَ أَذَانَ بِلَالٍ وَإِقَامَتَهُ لِمُدَاوَمَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ، فَهَذَا كَمَا يُخْتَارُ بَعْضُ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّشَهُّدَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنْ يَفْعَلَ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، وَهَذَا فِي مَكَان، وَهَذَا فِي مَكَان؛ لِأَنَّ هَجْرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَمُلَازَمَةَ غَيْرِهِ، قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَجْعَلَ السُّنَّةَ بِدْعَةً، وَالْمُسْتَحَبَّ وَاجِبًا وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ، إذَا فَعَلَ آخَرُونَ الْوَجْهَ الْآخَرَ.

فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ، الَّتِي فِيهَا الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَأَصَحُّ النَّاسِ طَرِيقَةً فِي ذَلِكَ هُمْ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ، الَّذِينَ عَرَفُوا السُّنَّةَ وَاتَّبَعُوهَا، إذْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ مَنْ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ عُمْدَتُهُ الْعَمَلُ الَّذِي وَجَدَهُ بِبَلَدِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ السُّنَّةَ دُونَ مَا خَالَفَهُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ.

وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ أَذَانَ بِلَالٍ وَإِقَامَتَهُ مَا وَجَدَهُ فِي بَلَدِهِ، إمَّا بِالْكُوفَةِ، وَإِمَّا بِالشَّامِ، وَإِمَّا بِالْمَدِينَةِ. وَبِلَالٌ لَمْ يُؤَذِّنْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا قَلِيلًا، وَإِنَّمَا أَذَّنَ بِالْمَدِينَةِ سَعْدٌ الْقُرَظِيّ مُؤَذِّنُ أَهْلِ قُبَاءَ.

وَالتَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ اخْتِيَارُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، لَكِنْ مَالِكٌ يَرَى التَّكْبِيرَ مَرَّتَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّ يَرَاهُ أَرْبَعًا، وَتَرْكُهُ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا أَحْمَدُ فَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَذَانُ بِلَالٍ.

وَالْإِقَامَةُ يَخْتَارُ إفْرَادَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: إنَّ تَثْنِيَتَهَا سُنَّةٌ، وَالثَّلَاثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَخْتَارُونَ تَكْرِيرَ لَفْظَةِ الْإِقَامَةِ، دُونَ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>