للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ الثَّوَابِ الَّذِي كَانَ يُكْتَبُ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَجْلِ نِيَّتِهِ لَهُ، وَعَجْزِهِ عَنْهُ بِالْعُذْرِ.

وَهَذِهِ " قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ " أَنَّ مَنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْفِعْلِ عَزْمًا جَازِمًا وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ، فَهَذَا الَّذِي كَانَ لَهُ عَمَلٌ فِي صِحَّتِهِ وَإِقَامَتِهِ عَزْمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَقَدْ فَعَلَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مَا أَمْكَنَهُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ. كَمَا جَاءَ فِي السُّنَنِ: فِيمَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ فَوَجَدَهَا قَدْ فَاتَتْ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ» .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٥] الْآيَةُ.

فَهَذَا وَمِثْلُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ الصَّحِيحِ، إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَقَدْ عَمِلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَفْسُ عَمَلِهِ مِثْلَ عَمَلِ الصَّحِيحِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرِيضِ نَفْسَهَا فِي الْأَجْرِ مِثْلُ صَلَاةِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَالْمَعْذُورِ فِي نَفْسِهَا مِثْلُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ، كَمَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إذَا فَاتَتْهُ مَعَ قَصْدِهِ لَهَا.

وَأَيْضًا فَلَيْسَ كُلُّ مَعْذُورٍ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ عَمَلِ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ إذَا كَانَ يَقْصِدُ عَمَلَ الصَّحِيحِ، وَلَكِنْ عَجَزَ عَنْهُ.

فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ عَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّلَاةُ قَائِمًا، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَرَضِهِ، فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ.

وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَطَوَّعَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي الْحَضَرِ، قَائِمًا يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ.

فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا الصَّلَاةَ قَائِمًا إذَا مَرِضَ، فَصَلَّى وَحْدَهُ، أَوْ صَلَّى قَاعِدًا، فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ.

وَمَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاةَ هَذَا قَاعِدًا مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>