للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُجْتَهِدُ حُكْمُهُ بَاطِلًا لَمْ يَجُزْ إنْفَاذُ الْبَاطِلِ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الطَّهَارَةَ نَاسِيًا لَمْ يُعِدْ الْمَأْمُومُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، مَعَ أَنَّ النَّاسِيَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَالْمُتَأَوِّلُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

فَإِذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فَلَأَنْ تَصِحَّ خَلْفَ مَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَالْإِمَامُ يُعِيدُ إذَا ذَكَرَ دُونَ الْمَأْمُومِ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْمَأْمُومِ تَفْرِيطٌ: لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَرْجِعُ عَنْ اعْتِقَادِهِ بِقَوْلِهِ.

بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى عَلَى الْإِمَامِ نَجَاسَةً وَلَمْ يُحَذِّرْهُ مِنْهَا، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا مُفَرِّطٌ، فَإِذَا صَلَّى يُعِيدُ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَفْرِيطِهِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُعِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَعِلْمُ الْمَأْمُومِ بِحَالِ الْإِمَامِ فِي صُورَةِ التَّأْوِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ، فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[هَلْ يُقَلِّدُ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا فِي الصَّلَاةِ الْوِتْرِيَّةِ وَفِي جَمْعِ الْمَطَرِ]

٢٦٣ - ١٧٩ - سُئِلَ: هَلْ يُقَلِّدُ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا، وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْوِتْرِيَّةِ، وَفِي جَمْعِ الْمَطَرِ؟ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. نَعَمْ يَجُوزُ لِلْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ مِنْ الْمَطَرِ، لَا سِيَّمَا وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَجْمَعُ مَعَ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِالْمَدِينَةِ إذَا جَمَعُوا فِي الْمَطَرِ.

وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُقَلِّدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَيَسْتَحِبُّهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَازَالَ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَفْتُونَ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فَيُقَلِّدُونَ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا.

فَإِذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ فِي مَسْأَلَةٍ يَرَاهَا أَصْلَحَ فِي دِينِهِ أَوْ الْقَوْلُ بِهَا أَرْجَحُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، جَازَ هَذَا بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ لَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحْمَدَ.

وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ إمَامَهُ، فَإِنْ قَنَتَ قَنَتَ مَعَهُ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>