للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ وَالْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ أَرْبَعًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَلَكِنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ - لَيْسَ فِيهِ إلَّا خِلَافٌ شَاذٌّ، وَلَا يَفْتَقِرُ الْقَصْرُ إلَى نِيَّةٍ؛ بَلْ لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا - اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا حَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، إلَى أَنْ رَجَعَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَالْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ» ، وَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ جَمْعًا وَقَصْرًا، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا أَنْ يَنْوِيَ لَا جَمْعًا وَلَا قَصْرًا.

وَأَقَامَ بِمِنًى يَوْمَ الْعِيدِ، وَإِمَامُ مِنًى يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَالْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بَعْدَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، لَا بِمِنًى وَلَا بِغَيْرِهَا، فَلِهَذَا كَانَ أَصَحَّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَيَقْصُرُونَ بِهَا وَبِمِنًى وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، كَمَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي عِبَادَاتِهِ.

وَقَدْ قِيلَ: يَجْمَعُونَ وَلَا يَقْصُرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: لَا يَقْصُرُونَ، وَلَا يَجْمَعُونَ.

كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ.

وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ، وَيَجْمَعُونَ هُنَاكَ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ هُنَاكَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هُنَاكَ أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ؛ وَلَكِنْ نُقِلَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ دَاخِلَ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ يَأْمُرُ أَهْلَ مَكَّةَ بِالْإِتْمَامِ إذَا صَلَّى بِهِمْ فِي الْبَلَدِ، وَأَمَّا بِمِنًى فَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَصْرِ أَهْلِ مَكَّةَ خَلْفَهُ فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ النُّسُكِ، فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا هُنَاكَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السَّفَرِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَصَرُوا لِأَجْلِ سَفَرِهِمْ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقْصُرُونَ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا مُحْرِمِينَ، وَالْقَصْرُ مُعَلَّقٌ بِالسَّفَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إلَّا مُسَافِرٌ، وَكُلُّ مُسَافِرٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ النَّحْرِ رَكْعَتَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>