للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَقُلْت: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْمَدِينَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»

قَالَ أَيُّوبُ لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَجْمَعُونَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَجْمَعُ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ.

وَقَوْلُهُمْ: " أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ " يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ تَأْخِيرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَتَقْدِيمَ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ مِثْلِ هَذَا فِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ.

ثُمَّ إنَّ هَذَا جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَرَفْعُ الْحَرَجِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَخَّصَ لِأَهْلِ الْأَعْذَارِ فِيمَا يَرْفَعُ بِهِ عَنْهُمْ الْحَرَجَ، دُونَ غَيْرِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ.

وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ: أَنَّ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةٌ، وَلِغَيْرِهِمْ خَمْسَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَوَاقِيتَ وَالطَّرَفُ الثَّانِي يَتَنَاوَلُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَالزُّلَفُ يَتَنَاوَلُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.

وَكَذَلِكَ قَالَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: ٧٨] وَالدُّلُوكُ هُوَ الزَّوَالُ، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

يُقَالُ: دَلَكَتْ الشَّمْسُ، وَزَالَتْ، وَزَاغَتْ، وَمَالَتْ.

فَذَكَرَ الدُّلُوكَ وَالْغَسَقَ وَبَعْدَ الدُّلُوكِ يُصَلَّى الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَفِي الْغَسَقِ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، ذَكَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهُوَ الدُّلُوكُ، وَآخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ الْغَسَقُ، وَالْغَسَقُ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ.

وَلِهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَغَيْرِهِ: إنَّ الْمَرْأَةَ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.

وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>