للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا قَالَ هَذَا الْمُنْكَرَ رَدٌّ؟ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَمَا حُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَيْسَ هَذَا كُفْرًا، فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ وَأَمْثَالَهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّحَصُّنُ وَالتَّحَرُّزُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، فَيَتَّقِي بِهَا مِنْ الشَّرِّ، كَمَا يَتَّقِي سَاكِنُ الْبَيْتِ بِالْبَيْتِ مِنْ الشَّرِّ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَدُوِّ.

وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي قَامَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ فَدَخَلَ حِصْنًا فَامْتَنَعَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ» فَكَذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ هُوَ حِصْنُ ابْنِ آدَمَ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ كَمَا قَالَ.

فَشَبَّهَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي امْتِنَاعِ الْإِنْسَانِ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْحِصْنِ الَّذِي يَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالْحِصْنُ لَهُ بَابٌ وَسَقْفٌ وَحِيطَانٌ، وَنَحْوُ هَذَا أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ تُسَمَّى جُنَّةً وَلِبَاسًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦] . فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنْ النَّارِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ»

وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: " فَتَدَرَّعُوا جِنَنَ التَّقْوَى قَبْلَ جِنَنَ السَّابِرِيِّ وَفَوِّقُوا سِهَامَ الدُّعَاءِ قَبْلَ سِهَامِ الْقِسِيِّ ". وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يُسَمَّى سُوَرًا، وَحِيطَانًا، وَدِرْعًا، وَجُنَّةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَلَكِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ لَيْسَ بِمَأْثُورٍ، وَالْمَشْرُوعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَ فِيهِ مَا شُرِعَ وَسُنَّ، كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>