للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ أَفْضَلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا كَالْحَمَّامِ، وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَالْمَقْبَرَةِ، فَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِيهَا أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ الذِّكْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، فَإِذَا كُرِهَ الْأَفْضَلُ فِي حَالِ حُصُولِ مَفْسَدَةٍ كَانَ الْمَفْضُولُ هُنَاكَ أَفْضَلَ بَلْ هُوَ الْمَشْرُوعُ.

وَكَذَلِكَ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» .

وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَتَنَازَعُوا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ تَشْرِيفًا لِلْقُرْآنِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي حَالِ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ، كَمَا كُرِهَ أَنْ يُقْرَأَ مَعَ الْجِنَازَةِ، وَكَمَا كَرِهَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قِرَاءَتَهُ فِي الْحَمَّامِ.

وَمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ، هُوَ حَالُ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ. وَالدُّعَاءُ فِيهِ هُوَ أَفْضَلُ بَلْ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ، وَكَذَلِكَ بِالطَّوَافِ، وَبِعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ، وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَالْمَشْرُوعُ هُنَاكَ هُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ: هَلْ تُكْرَهُ أَمْ لَا تُكْرَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ الْأَفْضَلِ، إمَّا عَاجِزًا عَنْ أَصْلِهِ، كَمَنْ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَسْتَطِيعُ حِفْظَهُ، كَالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَاجِزًا عَنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَفْضُولِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يُخْبِرُ عَنْ حَالِهِ، وَأَكْثَرُ السَّالِكِينَ، بَلْ الْعَارِفِينَ مِنْهُمْ إنَّمَا يُخْبِرُ أَحَدُهُمْ عَمَّا ذَاقَهُ وَوَجَدَهُ، لَا يَذْكُرُ أَمْرًا عَامًا لِلْخَلْقِ، إذْ الْمَعْرِفَةُ تَقْتَضِي أُمُورًا مُعَيَّنَةً جُزْئِيَّةً.

وَالْعِلْمُ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا عَامًّا كُلِّيًّا، فَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجِدُ فِي الذِّكْرِ مِنْ اجْتِمَاعِ قَلْبِهِ، وَقُوَّةِ إيمَانِهِ، وَانْدِفَاعِ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ، وَمَزِيدِ السَّكِينَةِ، وَالنُّورِ وَالْهُدَى، مَا لَا يَجِدُهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، بَلْ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَفْهَمُهُ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>