للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمُنَاكَحَةِ، وَالْمُوَارَثَةِ. وَتَغْسِيلِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لَكِنْ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٨٤] وَقَالَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦] .

وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفِسْقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ، فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمْ زَجْرًا لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ، كَمَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ، وَعَلَى الْغَالِّ، وَعَلَى الْمَدِينِ الَّذِي لَا وَفَاءَ لَهُ، وَكَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ - كَانَ عَمَلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ حَسَنًا.

وَقَدْ قَالَ لِجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ابْنُهُ: إنِّي لَمْ أَنَمْ الْبَارِحَةَ بَشَمًا، فَقَالَ: أَمَا إنَّك لَوْ مِتّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْك. كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَتَلْت نَفْسَك بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكَبَائِرِ حَتَّى يَتُوبُوا، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا، وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَحَدِهِمْ يَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً، كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا، وَلَوْ امْتَنَعَ فِي الظَّاهِرِ وَدَعَا لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَانَ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا.

وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ النِّفَاقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩] وَكُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْكَبَائِرَ فَإِنَّهُ تُسَوَّغُ عُقُوبَتُهُ بِالْهَجْرِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى مِمَّنْ فِي هَجْرِهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ رَاجِحَةٌ فَتَحْصُلُ الْمَصَالِحُ الشَّرْعِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>