للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالزِّيَارَةُ الْأُولَى مِنْ جِنْسِ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَالْإِحْسَانِ إلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا.

وَالثَّانِي:

مِنْ جِنْسِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ، وَالظُّلْمِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَحَقِّ عِبَادِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] . شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] » وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: ٢٣] . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، وَصَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دِينِ النَّصَارَى وَلَمْ يَكُنْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعُونَ يَقْصِدُونَ الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ كَرِهَ الْأَئِمَّةُ وُقُوفَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلدُّعَاءِ. وَقَالُوا هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، بَلْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَعَلَى صَاحِبَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَنَصَّ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ بِمَخْلُوقٍ، لَا النَّبِيِّ، وَلَا الْمَلَائِكَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ.

وَقَدْ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ جَدْبٌ وَشِدَّةٌ، وَكَانُوا يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَسْتَسْقُونَ وَيَدْعُونَ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيَسْتَنْصِرُونَ، وَيَتَوَسَّلُونَ بِدُعَاءِ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ: بِدُعَائِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ» . وَلَمْ يَكُونُوا يَقْصِدُونَ الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا صَالِحٍ، وَلَا الصَّلَاةَ عِنْدَهُ، وَلَا طَلَبَ الْحَوَائِجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>