للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم أن الفارياق بعد انقضاء هذه المدة الذكية رأى من الواجب أن يزور صاحبه ويخبره بما جرى له. فلما تشرف بمجلسه سأله الخواجا عن حاله. فقال له قد كنت أود يا سيدي أن أزورك قبل الآن لكن خشيت أن يعلق بناديك أثر من الرائحة التي شملتني. فقال له لا ضير في ذلك ولا سيما إذا تعودت عليها. وإن ناديّي لا يبرح كل يوم يعبق به أمثاله من زيارة أمثال السري وهذا شأن أم دفار. ولكن كيف حالك من جهة المعيشة. قال قد اكتريت لي داراً صغيرة واشتريت حماراً. واتخذت خادمة لتصلح لي الدار. وخادماً ليصلح الحمار. وأنا الآن بجاهك وفضلك في أحسن حال. ثم أنصرف من عنده داعياً له.

"سر بيني وبين القارئ" قد كان طبيب الجزيرة نصح للفارياق أن بجانب النساء أي يبتعد عنهن لا أنه يلصق بجنبهن فإن في قربهن حيناً له فألفى قوله كذباً وميناً.

[مقامة مقعدة]

لا يمكن لي أن أبيت الليلة مستريحاً حتى أنظم اليوم مقامة. فقد عودت قلمي في هذا الموضع موالاة السجع. وترصيع الفقر الرائعة للعقل الرائقة للسمع الشائقة للطبع. فأقول: حدّس الهارس بن هشام قال: بينما أنا أمشي في أسواق مصر وأسرح ناظري في محاسنها. وأتهافت على النظر إلى جمال شوافنها. فتداركني جمال مدائنها. فالطأ بقرار حائط واضباً بآخر. وأجعل يدي تارة على عيني وتارة على ما هو أصغر منها أو أكبر. إذ أومأ أليّ فتى من حانوت له. عليه لوائح هيبة ومنزلة وحوبة في الترائب متخلله. غير متحلله. فقال أن شئت أن تصعد إلى هنا إلى أن ينفض زحام الأبل. وتنساغ غصّة هذا الأزْل الأزِل. فأنك لدينا من المقربين. وأني بإكرامك لقمين. فزجدت دعوته كدعوة الداعي بحيّ على الفلاح. وقلت ما يأبى السماح. إلا من فاته الصلاح. وعمه عن النجاح. كيف لا وقد أوشكت جوارحي أن تعود مجروحة. وضاقت بأحمال أبلكم الأرض وهي فسيحة. فأبتسم ابتسامة أسفرت عن لحن للقول سريع، وطبع إلى إيلاء المعروف ذريع. ثم صعدت إليه فوجدت عنده نفراً عليهم عمائم مختلفة. ولهم وجوه مؤتلفة. فلما سلمت متودّداً. وتبوأت ما بينهم مقعداً. قال رب الحانوت هل لك في أن تنتظم معنا في سلك جدال قد شغلنا من الضحى. وجعلنا له الآذان كثِقال الرحي. فهو دائر على كل منا بالمناوبة. ومستدرك خاتمه بأوَّله بالمعاقبة. دون درك ومعاقبة. إذ ليس فيه إفضاء إلى البحث في الأديان. وإنما هو أمر مباح لكل إنسان. فقلت أن كان مرجعه إلى العقل فقد كلفتموني أدّا. وشططتم في انتظامي معكم جداً. إذ لست بصاحب أسفار، بل حليف تطواف وأسفار. وإن كان إلى الطبع فأنه بي لطبعاً سليماً، وخُلقاً قويماً. قال هذا الثاني هو مركز دائرته. وفيصل محاورته. قلت فأملأ إذني من جدالك. وألق عليّ أعذال عَدلك.

<<  <   >  >>