للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنه كما وقعت البلبلة عن ذات المرأة وحارت العقول في السر الذي أودعه الله فيها. من جهة أنه أول الأسباب في عمران الكون وخرابه. إذ لا يكاد يحدث في العالم خطب جليل إلا وتراها من خلله واقفة وراءه أو بالحري مضطجعة. كذلك حصل التشويش والتخليط في أسمها. فالمرأة في لغتنا الشريفة مشتقة من مرؤ الطعام إذ صار مريئاً هنيئاً حميد المغبة. إلا إنها كثيراً ما تكون طعاماً ذا غصة وشجا وتخمة وتختير وتخثير. ثم أن همزها للوصل ووصلها للهمز. وجميعها من غير لفظ المفرد وهو متعدد. وفي بعض اللغات هي ويل الرجل. وفي بعضها سوأة. فإما الزوجة وهي المفهوم منها إنها امرأة أو نصف رجل فقد خصت ترضياً لها بأسماء كثيرة. من ذلك القرينة واشتقاقها معلوم. والعازية واشتقاقها من عزب أي بعد لأنها تعزب عن أبويها إلى زوجها أو بالعكس أو عنه إلى غيره. والحُرمة واللحاف لأنها تدفئ الرجل بحر جسدها كما سيأتي والحدادة والنضر العِرس والحليلة واللباس والجثل والحال والخضلة والشاعة والحنة والربض والنعل ولست أرضي بهذه فالأولى محوها. ومن الغريب إنها سميت لباساً ولحافاً ولم تسمّ سروالاً.

قال بعض العلماء إذا أراد الله أن يقضي خيراً على الأرض قيّض له امرأة فكانت الوسيلة إلى إجرائه. وإذا أراد الشيطان أن يقضي شراً توسل إليه أيضاً بامرأة. وقد اختلفوا في تأويل هذا القول. فالخرجيون على أن دخول المرأة في قضية ملك الإنكليز كان للخير المحض. والسوقيون على إنه كان للشر الجهنمي. وكذلك قضية ملكتي الإنكليز وقضية إيرين زوجة ليو الرابع وثيودورة زوجة ثاوفيليوس. وغير ذلك مما لا يحصى.

وأعلم هنا إنه لم تجر العادة بأن يتخذ من النساء بابا أو مطران أو رئيس جيش أو رئيس سفينة أو قاض. وذلك لاتقاء بأسهن وسطوتهن. فإن الرجال مستعبدون للنساء بالطبع خلواً من هذه المراتب العلية فكيف بهن إذا ولينها. فإن قيل أن الإفرنج يتخذون منهن ملكات ويفلحون. قلت قد تقرر عندهم أنه إذا كان رئيس الدولة أنثى كانت إدارة الأحكام والعمل كله لذكر. ولعل ذلك من مشاكل الأمور الأنثوية فإن هذا التعليل يصدق أيضاً على كون البابا وغيره يتخذ من النساء. ولعلي قد أطلت الكلام هنا على النساء مع أنه ربما يوجد فيهن قصار غير جديرات بالطويل منه. فينبغي لي الآن تطليقهن والعود إلى ما كنت بصدده. وسأعود إليهن في موضع آخر إن شاء الله.

[في ذلك الموضع بعينه]

لم يطاوعني القلم على الانتقال من هذا الموضع الشهي إلى الكلام في الفارياق وأمثاله. بل لعله هو نفسه يروم ذلك إيثاراً له على ذاته. فلا بد إذاً من الرجوع إلى وصف النساء من دون اعتذار إليه فأقول: قال بعض الفحول من العلماء أن المرأة أشرف من الرجل وأفخم وأنبل وحلم وافضل واكرم. أما وجه كونها أشرف فلأن شاهدي تأنيثها واقفان في محل مرفوع.

بحيث يمكن لها أن تراهما أو تريهما أيان شاءت من دون تطأطئ رأس وانحناء.

وفي ذلك من العز والشرف ما لا يخفي. ألا ترى أن بعض الأدباء قال أن من عزّ لا أن يقولها الإنسان وهو رافع رأسه. ومن ذلّ نعم أن يقولها وهو خافضة. أما شاهد الرجل فهما منكوسان في محل منخفض بحيث لا يقدران يرهما إلا إذا تطأطأ انحنى. وأما وجه كونهما أفخم فلأن ساقيها اللتين هما عمودان لهيكل الجسم، وبطنها الذي هو منبت لتكوّن النسمة. وعجزها الذي هو مورد الإعجاز. تكون أفخم من ساقي الرجل وبطنه وعجزه. وأما وجه كونها أنبل فلأنها تنبل بما يلقى إليها مدة تسعة أشهر. وأما وجه كونها احلم فلأنّ سِمة الحلم ترى في شاهدي تأنيثها. وأما وجه كونها أفضل فلأنها خلقت من الرجل وعقبه. وهو خلق من تراب. لكنها إذا ماتت "معاذ الله من ذلك" تستحيل إلى تراب كالرجل لا إلى أصلها الذي أخذت منه أي لا تصير رجلا ولا ضلعا وأما وجه كونها أكرم فلأنها ارق فؤاداً وأرحم قلباً وألين طبعاً. فإذا رأت أحدا محتاجاً إلى شيء من عندها لمتضن به عليه. وناهيك ما جاء عن مادح السيدة زبيدة إذ قال:

أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب

تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب

فلما أنكر الوصفاء عليه ذلك وهّموا بضربه انتهرتهم وأحسنت إليه لعملها أنه لم يخطئ الوصف.

<<  <   >  >>