للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس على السوقي أن يتزوج من حرج ولا على الخرجي أن يتزوج سوقية من مرج فإن اختلاف الحرز فيما لا يعلم لا يكون مانعاً للفوز بهذا المغنم الذي من تعلم ومن لم يتعلم. أو لم تعلموا أن الأرحام من الرحمة اشتقت. وإلى المصاهرة شقت. وعلى الأنساب انطبقت. وإلى التآخي والتآلف خلقت. وبالتواد اختصت. ولا تتهاز فرص الحظ فُرصت. فما لكم عنها تتباعدون. وتتقاعسون وتتفاعدون ولم أنتم هؤلاء في بحر الشك والظن تسبحون وتستبضعون تجارة الخوص وتربحون لا يسمع الله دعاء أحد منكم في الشرق إلا إذا كان يستصوبه أهل الغرب. ولا يفيزكم بالآخرة إلا إذا تألفتم في الدنيا على هذا الضرب. فليصافح إذاً أخضر الرأس منكم أسوده ومدّوره ذو القُبعة مخروطه ذا اللبدة وليُصْف كل منكم لأخيه نيته ووده. ويحفظ له عهده. وإذ قد اتفقتم على المخلوق فلا تختلفوا على الخالق. فهو رب المغارب والمشارق. وأنه ليريد أن المشرقي منكم إذا سافر إلى الغرب يرى أهله فيه له أهلاً. وشمله شملاً فأقبلوا النصيحة وأسمعوا ما يمر بكم بعدها من العبارات الفصيحة والمعاني المليحة في هذا الفصل الذي سميته.

[العشق والزواج]

قد ذكرت في آخر الكتاب الثاني أن الفارياق ابتلاه الله بأمراض كثيرة وكتب وفيرة ثم أنجاه منها جميعاً. وأنه بعد أن رأى نفسه معافى منها اطمأن خاطره وأخلد إلى الغناء. والآن ينبغي أن أذكر ختام هذه النوبة وعاقبة هذه الحوبة ذلك أن الدار التي كان فيها الخريجيون كانت محاذية لدار بعض التجار وكان له بنت تحب السماع واللهو والطرب وترتاح إلى الغناء جداً فكانت إذا سمعت الفارياق يغني أو يعزف في غرفته تصعد إلى سطح دارها وتنصت إلى أن يفرغ فتنزل إلى حجرتها. فلما علم الفارياق أن صعودها كان لأجله أذ لم أحد غيره يظن به التعرض لها صبت إليها نفسه ونزغه فيها نازغ من الهوى غير إنه كان من طبعه النفور من الزواج حتى أنه كان يحسب المتزوجين أشقى الناس لأن الحالة الزوجية لا يبدو منها في الغالب سوى صعوباتها ومشاقها. وكان إذا قيل له فلان تزوج تأخذه به رأفة ويرثي له كما يرثي لمن دار به تيا شديد أو رزئ برزيئة كبرى فتنازغ فيه حٍ عاملاً الهوى والحذر فرجحت كفه الأولى الثاني فرأى أن مجرد النظر أولى من التعرض بإشارة تدل على أنه ذو صبوة وهيام ومكثا على ذلك مدة وهو أحذر من القر لي حتى إذا كان يوم ورآها تمسح محاجرها بمنديل أما من حرّ الشمس أو من غيره أعتقد بمجامع قلبه أنها تمسح دموعها شوقاً إليه فانفتقت بنائق الصبر من صدره وهاج به الوجد لإزالة حذره وقال في نفسه أيقابل أحد غيره دموع باكية بالأعراض. وهل وراء الدموع غير الهوى كيف لا تذيبني وما قلبي بجامد، ولا أنا بمخلد! وقد علمت أن أعظم لذات الحياة ما إذا وجد الإنسان له خدينا نويّا. وقرينا صفيا. وإنا غريب محتاج إلى مؤنس في وحشتي، ورفيق في وحدتي. ومن مؤنس مثل الزوجة. وأي خير في العزوبة لمن رزقه الله قوته وحوجه. وبمثل هذه الخواطر السريعة وطّن نفسه على تحمل أعباء الهوى من أي جهة كانت. فمن ثم فتح باب الإشارة بينهما. فمن بين توضع على القلب مرة وعلى أخرى. وأصبح تقرن بأخرى. وذراعين تشبحان مع تنفس وزفير. وشفتين تضمان. ورأس يهز وغير ذلك مما يتعلل به المبتدئون في الحب. فأما المتناهون فلا يرضيهم إلاّ الهصر بالفودين كما نص عليه الأستاذ امرئ القيس.

<<  <   >  >>