للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا المطران أتناسيوس التتونجي قد صار الآن مترجماً معرباً كاتباً منشئاً وهو أضيق أستا من أن يفعل. ولم يبال أن جرّ عليه بتعريبه أست الكلبة وقد حسب مضايق الحرف كلها سواء. وتعنى وتعمل. ولهوج ولهوق. وطرمذ وطرطر. وتفيّش وتحرّش. وقرمش وفشفش. وهربج وهلج. وسفسف وهمرج. واخترص وثمثم. وتورّه وضهيأ. وأنهأ ونيأ. وتكسّس وتزبب وتنفج ولبلب. وخرشب وخشرب. وتحذلق وتأبب. وتصوّك وتزنح. وتندخ وتزنخ. ومردل وافجس. ومرطل وعطرس. وتفهيق وتشدق وعفك وبشك. وخرق وحزق. وربك ولبك. وصد ولفت. وهو أعظم في نفسه من المتشمة أليس في الكون من مرآة وزجنجل وسجنجل وعناس ومنظار ووذيلة ولجة وماريّة وزلفة ومذية أو زجاجة أو صفيحة فتنظر سيداتي هؤلاء فيها وجوههن وما هنّ عليه من الأحوال. أليس في الشرق من سيبويه فيصفع. أما في الغرب من أبن مالك فيقدع. ألا أخفش فيغار على هذه اللغة. ويرضن رأس هذه الوزعة. كيف يظن الإنسان أنه علم ولم يتعلم. وأديب ولم يتأدب. وفقيه ولم يتفقه. نعم أنه لا يرى جهله في مرآة كما يرى وجهه ولكن أليست الكتب هي مرآة العقل. فمتى قرأ كتب العلماء ولم يفهمها عرف حد ما وصل غليه من العلم. غير أن المطران أتناسيوس التتونجي مطران طرابلس الشام المقيم في جميع البلدان إلا فيها لم يطالع شيئاً من مؤلفات العلماء. فغاية ما علمه من النحو باب الفاعل والمفعول ومن البيان نوع التجريد. ومن الفقه باب النجاسات. ومن العروض الوتد المتحرك. ومن البديع رد العجز على الصدر. هذا حد ما عرفه وتبجح به في مدرسة عين تراز حين كان قيم تلامذتها. فأما سبب فراره منها إلى رومية ثم من رومية إلى مالطة إلى باريس ثم فراره من باريس إلى لندرة ثم فراره من لندرة إلى مالطة. ثم فراره هذه السنة إلى لندرة من بعض مدن النمسا حين كان يطوف فيها وعلى عاتقه الشلاق. وتشهيره هناك وتجريسه في الأخبار اليومية حتى حرم من تعاطي هذه الحرفة التي ألفها مذ سنين كثيرة. وتسببه في زمن موسم لندرة في أن جمع جماعة مغنين ومغنيات من بيت أشق باش بحلب. وإغواؤه إياهم على أن يقصدوا الموسم طمعاً في الربح. ودخوله معهم ومع شركائهم أولاً في شروط المصروف والتجهيز. ثم استرجاعه المبلغ الذي كان أداه إليهم وأشترطه عليهم إياه في الفائدة من دون أن يشاركهم في التعب. وذلك في مقابلة إغوائه وسعيه هذا الذميم الذي كان سبباً في تخسير رئيسي هذه الزمرة خسارة زائدة فلا يمكن شرحه في هذا الكتاب. وربما فال قائل هنا أنك أيها المؤلف قد عبت على الناس جهلهم أنفسهم. وقد أراك جهلت نفسك في هذا الفصل فأوردت فيه كلاماً لا يليق بالنساء فقد تجاوزت أبن عتيق وأبن حجاج. قلت الحامل على ذلك أمران. أحدهما إبراز محاسن لغتنا هذه الشريفة. والثاني أني قصدت تشويق القارئين ممن ملئوا حيطان ديارهم من قصب التبغ إلى شراء كتاب في اللغة. فيا قارئاً ويا سامعاً. ويا راقئاً ويا عامساً. قل للمتعنت أن من كان فيه مرارة لم يستطب الحلاوة. وبعد فإني أترامي على أقدام سيدتي المدقم وسيدتي الدعشوقة وسيدتي الفلحسة وسيدتي المسخمة وأطلب منهن العفو عن طغيان القلم إذ لا يمكن لي أن أبيت هذه الليلة وهن عليّ غضاب.

سرقة مطرانية

<<  <   >  >>