للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الواقع من صورة اللعان. وقيل: يجوز أن يكون سمي لعانا لما فيه من الطرد والإبعاد لكل واحد منهما عن صاحبه، ووقوع الحرمة المؤبدة بخلاف المطلق والمظاهر والمولى، والله تعالى أعلم.

وقوله في المهذب في باب صلاة الاستسقاء: وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} (البقرة: من الآية١٥٩) قال: دواب الأرض تلعنهم، هذا الذي قاله أحد الأقوال في الآية، وقال ابن عباس: اللاعنون كل شيء إلا الجن والإنس. قال أهل العربية: وإنما قال الله تعالى {اللاعِنُونَ} بالواو والنون، ولم يقل اللاعنات لأنه وصفها بصفة من يعقل فجمعها جمع من يعقل، كما قال الله تعالى: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف: من الآية٤) و {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} (النمل: من الآية١٨) {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} (فصلت: من الآية٢١) {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يّس: من الآية٤٠) وقال قتادة: هم الملائكة. وقال عطاء: الجن والإنس. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” ذكره في فصل الأمان من كتاب السير من المهذب. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق” سميت ملاعن لأن الناس يلعنون فاعل ذلك، فهي مواضع لعن والله تعالى أعلم.

واللعان: مصدر لاعن يلاعن، وجعل اللعان المعروف حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به وسمي لعانا لاشتماله على كلمة اللعن. قال إمام الحرمين: وخصت بهذه التسمية لأن اللعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات والإيمان، والشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب، وعلى ذلك جرى معظم تسميات سور القرآن، ولم يسم بما يسبق من لفظ الغضب لأن الغضب يقع في جانب المرأة، وجانب الرجل أقوى لأن لعانه يسبق لعانها، وقد ينفك عن لعانها ولا ينعكس. قال الرافعي: قالت طائفة من أصحابنا: كل ملعون مغضوب عليه ولا ينعكس، وقد ورد باللعان الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة، وفيمن نزلت آية اللعان بسببه خلاف أوضحته في شرح الوسيط.

وروينا في صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا” وما يجوز من اللعن وما يحرم ولعن أصحاب الصفات فقد أوضحته في أواخر كتاب الأذكار في الألفاظ التي ينهى عنها فينقل إلى هنا ملخصا. واختلف العلماء في اللعان ما هو فمذهبنا المشهور الذي نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور الأصحاب: أن اللعان يمين. وقال أبو حنيفة: شهادة. وقال القاضي حسين في تعليقه:

<<  <  ج: ص:  >  >>