للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: إن الخيل فرت لما وقع سيل العرم، ولحقت بالقفر مع الوحوش، ثم ظهر خمسة من كرائمها في بلاد نجد، فخرج في طلبها خمسة نفر فعثروا عليها، وترصدوا مواردها فإذا هي ترد عيناً في تلك الناحية فعمدوا إلى خشبة وأقاموها بإزاء العين فانحدرت الخيل لتشرب فلما رأت الخشبة نفرت ورجعت ولما أجهدها الظمأ اقتحمتها وشربت. ومن الغد جاؤوا بخشبة أخرى، وأقاموها بجنب الأولى وهكذا إلى أن تركوا فرجة لورودها وصدورها وهي تنفر وتقتحم إلى أن أنست بالأخشاب، فلما وردت سدوا الفرجة من ورائها وتركوها محبوسة إلى أن ضعف نشاطها وأنست بهم ركبوها وطلبوا منازلهم فنفدت أزوادهم وأجهدهم الجوع فتفاوضوا في ذبح واحدة ويجعلون لصاحبها حظاً في الأربعة الباقية ثم بدا لهم أن لا يفعلوا ذلك إلا بعد المسابقة، ويذبحون التي تتأخر فتسابقوا وأرادوا ذبح المتأخرة فأبى صاحبها إلا بعد إعادة المسابقة فتأخر غيرها، فأعادوا المسابقة حتى يرجع الأمر الأولى فلاح لهم قطيع غزلان فطردوه فظفر كل واحد بغزال. وسموا التي سبقت في الأدوار كلها صقلاوية لصقالة شعرها واسم صاحبها جدران فنسبت إليه. والثانية أم عرقوب لالتواء عرقوبها واسم صاحبها شويه فنسبت إليه. والثالثة الشويما لشامات كانت بها واسم صاحبها ساخ فنسبت إليه. والرابعة كحيلة لكحل في عينيها واسم صاحبها العجوز فنسبت إليه. والخامسة عبيه لأن عباءة صاحبها وقعت على ذيلها حين السباق فحملته به إلى آخر الميدان واسم صاحبها شراك فنسبت إليه. ثم تفرع من الصقلاوية الجدرانية الوبيرية ونجمة الصبح والمريعية والقميصية وتفرع من أم عرقوب أشيكي وعن شويمة السباح الكبيشا وعن كحيلة العجوز رأس الفداوي والثامري والجنوب والمعارف والمنديل والمصني والمشهود والنعام والشريف والأخرس والمخلدية وحمدان السامري والطويسية وودنا الخريس والمعنقية والجدرجية والجريبا وأم عامر ويتفرع من عبية الشرال أم جريص والخضر وهدبا البشير. ومن خيل الشام صنف يسمونه عدابه، وينقسم إلى خمسة أقسام: جلفي ومعنقية ودعجانية وجيثنية وقريجة، ويتفرع من هذه الخمسة، فروع، فيتفرع من الجلفي سعد الطوقان والغصيني والغطيمي والعجمي، ومن المعنقية معنقية السبيني. وكافة هذه الفروع ترجع إلى كحيلة العجوز وكرائم الكحيلات عند بني مدلج والتجاريات. وفحول هذه الأصناف جميعها منها ما يصلح للتقفيز وما لا يصلح، ويسمى مظلوم الأم لأنه مجهول الأب، ولا يعتبرون حسن خلقة الفحل وإنما يعتبرون صحة نسبة أبيه وقد اشتهر عندهم أن الأنثى كالصندوق المقفول، فأي فحل ادخر فيها استخرج منها؛ ولذا كانوا يقصدون الفخل من الأماكن البعيدة. قال الأصمعي في نسبة الحرون فرس مسلم بن عمر الباهلي أنه ابن الأثاثي بن الحرز بن ذي الصوفة بن أعوج الأكبر وليس للعرب فحل أشهر ولا أكثر نسلاً منه، وهو فرس غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن غيلان وهو من نسل زاد الراكب الذي أعطاه سليمان عليه السلام لقوم من جرهم وفدوا عليه، فلما قضيت حوائجهم قالوا يا نبي الله إن أرضنا شاسعة فزودنا زاداً يبلغنا أهلنا فأعطاهم فرساً، وقال: إذا نزلتم منزلاً فاحملوا عليه غلاماً فإنكم لا تورون ناركم حتى يأتيكم بطعام. فكانوا لا ينزلون منزلاً إلا حملوا عليه لاماً ليقتنص فكان لا يغلبه شيءٌ تقع عينه عليه من ظبي أو بقر أو حمار إلى أن قدموا بلادهم ولذا سموه زاد الراكب. وأم أعوج سبلة فرس غني. وأما أعوج الأصفر فهو فرس هلال بن عامر بن صعصعة وسمي الأعوج، لأنه ركب صغيراً قبل أن تشتد عظامه فاعوجت قوائمه وإليه تنسب الخيل الأعوجية، قال لبيد يمدح نباته:

معاقلنا التي نأوي إليها ... نبات الأعوجية والسيوف

وقال جرير:

إن الجياد يبتن حول قبابنا ... من نسل أعوج أو ذوي العقال

وقال المتنبي:

وإذا المكارم والصوارم والقنا ... ونبات أعوج كل شيءٍ يجمع

وقال أبو تمام:

والأعوجيات الجياد كأنها ... تهوى وقد رنت الرياح سماسم

وقال:

ولو أغتدي أعوج يعدو به المرطى ... أو لاحق لتمنى أنه وتد

<<  <   >  >>