للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب

أي: أن منزلة الخيل من الإنسان كمنزلة الصديق، فالجياد منهل قليلة وإن كثرت في العدد عند من لم يجربها، وعند الامتحان يكرم الشيء أو يهان. وفي الحديث: "الخيل تجري بأعراقها وعنقها، فإذا وضعت على المقوس جرت بجدود أربابها"، وفي الطلب: على إقبال فرسانها، وفي الهزيمة: على آجالهم، ومن الأمثال: (عند الرهان تعرف السوابق) . وقال الشاعر:

ولا يسبق المضمار في كل موطن ... من الخيل عند الجد إلا عرابها

وقد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلب والجنب في المسابقة"، والجلب: أن يتبع الرجل فرسه، فغن قرب من الغاية زجره وجلب عليه، وهذا مما يعين الفرس على الجري. والجنب: أن يجنب مع الفرس الذي سابق عليه فرساً آخر، فيرسل حتى إذا دنا تحول راكبه على الفرس المجنوب، فأحرز السبق. والأول: من نوع الخديعة وكانوا يرسلون خيل الحلبة عشرة عشرة ولكل واحد منها اسم، فالأول: المجلس ثم المصلي ثم المسلي ثم التالي ثم المرتاح ثم العاطف ثم المؤمل ثم الخطي ثم اللطيم ثم السكيت - بتشديد الكاف، وقد تخفف -.وقال الجاحظ: كانت العرب تعد السوابق ثمانية ولا تجعل لما وراءها حظاً. فأولها: السابق، ويسمى: متجرداً؛ لأنه انجرد من الحلبة وتقدمها، ثم المصلي، ثم المقفي، ثم التالي، ثم العاطف، ثم المزمر، ثم البارع، ثم اللطيم، وما جاء بعد ذلك لا يعتد به. وكانت العرب تلطم وجه التاسع وإن كان له حظ. وقال أبو عبيدة: لم نسمع في سوابق الخيل ممن يوثق بعلمه أسماء لشيءٍ منها، إلا المصلي للثاني، والسكيت للعاشر، وما سوى ذلك يقال له: الثالث والرابع وهكذا إلى التاسع، وحكى المسعودي قال: جاء غلام الرقي إلى المتقي بالله العباسي فتحادثا واتصل الحديث بأخبار الحلائب ومراتب الخيل فيها فقال الغلام: يا أمير المؤمنين أذكر لك قولاً جامعاً أخبرني به كلاب بن حمزة العقيلي قال: كانت العرب ترسل خيلها عشرة عشرة أو أسفل، والقصب تسعة، ولا يدخل الحجر المحجر إلا ثمانية، وهذه أسماؤها: الأول السابق: وهو المجلي؛ لأنه جلى عن صاحبه ما كان فيه من الكرب والشدة، والثاني: المصلي؛ لأنه وضع جحفلة على قطاة المجلي، وهي صلاته، والصلاة: عجب الذنب، والثالث: المسلي؛ لأنه سلى عن صاحبه بعض همه، والرابع: لأنه تلى المسلي، والخامس: المرتاح مأخوذ من راحة الكف؛ لأن فيها خمس أصابع والعربي إذا أومأ إلى خمسة من العدد فتح يده وفرق أصابعه، فالخامس: مثل خامسة الأصابع. والسادس: حظيّاً، فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السادس قصبة. ذكر ابن بنين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل على حلل أتته من اليمن، فأعطى السابق ثلاث حلل، والمصلي حلتين، والثالث حلة، والرابع ديناراً، والخامس درهماً، والسادس قصبة. وقال: بارك الله فيك وفي كلكم وفي السابق". ويسمون السابع: العاطف؛ لأنه قد عطف بشيءٍ وإن قل ودخل المحجرة، أي: الحظيرة التي اتخذوها لدخول السابق منها، والثامن: المؤمل تفاؤلاً، كما يسمون الفلاة: مفازة، واللديع: سليماً، لأنه يؤمل سبقه حيث قرب من بعض ذوات الحظوظ، والتاسع: اللطيم؛ لأنه لو رام المحجرة للطم دونها. والعاشر: السكيت؛ لأن صاحبه يسكت حزناً وحياءً، وكانوا يجعلون في عنق السكيت حبلاً، ويجعلون عليه قرداً، ويعطون للقرد سوطاً، فيركضه تعييراً لصاحبه، قال الوليد بن حصين الكلبي:

إذا أنت لم تسبق وكنت مخلفاً ... سبقت إذا لم تدع بالقرد والحبل

وإن تك حقاً بالسكيت مخلفاً ... فتورث مولاك المذلة بالنبل

وأشر بقوله: (فتورث مولاك المذلة بالنبل) إلى ما يفعله البعض من رمي السكيت بالنبل حتى ينجعف، كما يفعل النعمان بن المنذر بفرسه النهب، وكانوا يمسحون وجه السابق. قال ابن عبد ربه:

وإذا جياد الخيل ما طلها المدا ... وتقطعت في شأوها المبهور

فالووا عناني في الحلائب وامسحوا ... مني بغرة أشقر مشهور

وقال جرير:

إذا شئتم أن تمسحوا وجه سابق ... جواد فمدوا في الرهان عنانيا

وقال كلاب بن حمزة: لم نعلم أحداً من العرب في الجاهلية والإسلام وصف خيل الحلبة العشرة بأسمائها وصفاتها ومراتبها غير محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بقوله:

<<  <   >  >>