للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت والله إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع!! قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله على أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) .

يا لله! رجل مضروب، مثخن بالجراح لا يتناول حتى شربة الماء وهو أشد ما يكون حاجة إليها حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

حقاً إنها تربية دونها كل تربية. حقاً نقول إن ذلك الجيل الذي رباه المصطفى صلى الله عليه وسلم جيل فريد على غير مثال سابق ولا لاحق.

سمات العلاقة بين

المسلمين وأعدائهم في العهد المكي

إن المرحلة المكية كانت تقتضي أن تكون العلاقة بين المسلمين والمشركين علاقة غير قتالية، علاقة بيان للحق، وصبر على الأذى فيه، واحتساب لكل ما عرفته رباع مكة ورمضاؤها والطائف وفجاجها من أذى للمصطفى صلى الله عليه وسلم وعذاب واضطهاد لبلال وعمار وخباب وآل ياسر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

ذلك أن ظروف تلك المرحلة كانت تقتضي اتخاذ الأساليب السلمية، وعرض الحقائق الإيمانية عرضاً مؤثراً، عله يكون في هذا وفيما أبداه المؤمنون الصابرون من تحمل وصبر، ما يرجع لأهل اللب صوابهم، وما أجدر ذلك باستجابة القوم لولا اتباع الهوى وسلطان المصالح الزائلة من زعامة ووجاهة ومكاسب مادية، وما إلى ذلك (٢) .


(١) البداية والنهاية لابن كثير ٣/٣٠ وانظر ماذا خسر العالم للندوي (ص١١٣) .
(٢) انظر: علاقة الأمة المسلمة بالأمم الأخرى للأستاذ أحمد محمود أحمد ٨-٩.

<<  <   >  >>