للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين المتبع والمبتدع أوضح من الشمس لأن المتبع يعادي المبتدع لبدعته، والمبتدع يعادي المتبع لاتباعه وكونه على الصواب. بل قد تبلغ عداوات أهل البدع لغيرهم من أهل الاتباع فوق ما تبلغه عداوتهم لليهود والنصارى (١) . وقبل أن نعرف كيفية البراءة من أهل البدع والأهواء لابد من إلمامة بسيطة بكيفية مخالطة الناس وقد رأيت كلاماً حسناً لابن القيم رحمه الله. أوجزه فيما يلي فقد قسم رحمه الله مخالطة الناس إلى أربعة أضرب (٢) :

(١) من مخالطته كالغذاء، لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة ثم إذا احتاج خالطه. وهذا النوع أعز من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله وأمره ومكايد عدوه، الناصحون لله ولكتابه ولرسوله ولخلقه. فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله.

(٢) من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحاً فلا حاجة لك فيه. وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في المعاش، وما يحتاج إليه من المعاملات والمشاركات فإذا قضيت حاجتك من مخالطته بقيت مخالطتهم من القسم الثالث وهم:

(٣) من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه، فبعضهم كالداء العضال لا تربح عليه في دين ولا دنيا، بل تخسر معه الدين والدنيا أو أحدهما ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يؤلمك فإذا فارقك سكن الألم ومنهم من مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، وإذا تكلم فكلامه كالعصى على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه، وظنه أنه كالمسك يطيب به المجلس وإن سكت فأثقل من نصف الرحى التي لا يطاق حملها، ولا جرها على الأرض، وإذا كان لابد من هذا الضرب فليعاشر بالمعروف حتى يجعل الله لك منه فرجاً ومخرجاً.

(٤) من مخالطته فيها الهلاك كله، وهي بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لآكله


(١) قطر الولي للشوكاني (ص٢٥٩) .
(٢) بدائع الفوائد (٢/٢٧٤ - ٢٧٥) .

<<  <   >  >>