للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذه النصوص وغيرها تهدف إلى سد الذرائع لأن المشابهة في الظاهر ذريعة إلي الموافقة في القصد والعمل (١) .

ولكن هناك حالات معينة قد تجعل المسلم يشارك الكفار في الهدي الظاهر فمتى تكون الموافقة ومتى تكون المخالفة؟

يجيب على ذلك شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله بقوله: إن المخالفة لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار ولما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء فإنه لم يشرع لهم المخالفة، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك.

ومثل ذلك اليوم - هذا كلام الشيخ في عصره فكيف بالعصور التالية؟! - لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب: لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر. بل يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية: ففيها شرعت المخالفة.

وإذا ظهرت الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان: ظهرت حقيقة الأحاديث (٢) في هذا.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله قاعدة جليلة عليها مدار الشرع وإليها مرجع الخلق والأمر - كما يقول ابن القيم - وهي: إيثار أكبر المصلحتين وأعلاهما، وإن فاتت المصلحة التي هي دونها، والدخول في أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منها. فيفوت مصلحة لتحصيل ما هو أكبر منها، ويرتكب مفسدة لدفع ما هو أعظم منها (٣)


(١) إعلام الموقعين لابن القيم (ج٣/١٤٠) .
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ١٧٦-١٧٧) .
(٣) الجواب الكافي (ص ١٦٧) .

<<  <   >  >>