للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويصعب علي هنا أن أذكر معظم الوقائع والمواقف التي برز فيها تطبيق الولاء والبراء عند سلف الأمة رحمهم الله. ولكنني أقتصر على القليل من ذلك لإعطاء فكرة صادقة وصورة حية، وأمثلة مشرقة لتلك النماذج الإيمانية التي أراد الله أن يحقق بها مثالية هذا الدين، ليعلم الناس أن هذا الدين مثالي واقعي (١) في آن واحد إذا وجد الأكفاء الجديرون بحمله وتبليغه للناس بصدق، وأمانة، وطهر ونقاء، وإخلاص وتجرد وابتغاء ما عند الله.

ومن هذه الأمثلة: موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كعب بن مالك رضي الله عنه ومن معه من المخلفين الثلاثة، حيث قاطعوهم وهجروهم لتخلفهم عن غزوة تبوك.

وانظر إلى هذه المقاطعة لثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون خلف رسول الله في مسجد أسس على التقوى: لقد هجروهم ولم يكلموهم حتى في التحية الإسلامية!!

فمن يا ترى من المسلمين اليوم يتبرأ من الذين يحادون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً؟!

أما الموقف العظيم الذي يبرز فيه ولاء المسلم لدينه وإخوانه المؤمنين، حتى وهذا المؤمن مهجور من إخوانه وأحبابه، مقاطع عنهم حتى في رد السلام. مبتلى بإغراء مادي عظيم، ومحسن له المنصب ورفعة المكان في الدنيا: فهو موقف الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه، فإنه - كما جاء في حديثه الطويل - لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بهجره ومن معه، حتى زوجته ذهبت إلى أهلها فاجأه أمر عجيب وخطير في آن واحد.

يقول كعب رضي الله عنه (.. فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن


(١) للوقوف على فكرة صحيحة فيما يتعلق بمثالية الإسلام وواقعيته حبذا مراجعة كتاب خصائص التصور الإسلامي للأستاذ سيد قطب فصل الواقعية. وكتاب منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب ج ١ الفصل الأخير وكتاب الإنسان بين المادية والإسلام فصل نظرة الإسلام.

<<  <   >  >>