للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو ملزم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان. فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً - فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته.

(وهاهنا أصل آخر: وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده.

فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان.

وأما الحكم بغير ما أنزل (١) الله، وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه. فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد. ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً (٢) ، ولا يطلق عليهما اسم الكفر.

وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه. وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.

(وكذلك قوله (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) (٣)


(١) سيأتي بعد تمام هذا النص إن شاء الله مزيد من التفصيل في هذه الفقرة وبيان متى يكون ذلك مخرج من الملة ومتى لا يكون.
(٢) انظر صحيح مسلم (ج١/٨٨) (ح٨٢) كتاب الإيمان.
(٣) صحيح مسلم (ج١/٨١) (ح٦٥) كتاب الإيمان.

<<  <   >  >>