للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم.

فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل: هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام، أي كلمته وهي الشهادة، لَسْتَ مُؤْمِناً، من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن.

وقد استدل بهذه الآية على أن من قتل كافرا بعد أن قال: لا إله إلا الله قتل به، لأنه قد عصم بهذه الكلمة دمه وماله وأهله، وإنما سقط القتل عن من وقع منه ذلك في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنهم تأولوا وظنوا أن من قالها خوفا من السلاح لا يكون مسلما، ولا يصير دمه بها معصوما، وأنه لا بد من أن يقول هذه الكلمة وهو مطمئن غير خائف.

والحكمة في التكلم بكلمة الإسلام إظهار الانقياد بأن يقول: أنا مسلم، وأنا على دينكم، لما عرفت من أن معنى الآية الاستسلام والانقياد، وهو يحصل بكل ما يشعر بالإسلام من قول أو فعل، ومن جملة ذلك كلمة الشهادة، وكلمة التسليم، فالقولان الآخران في معنى الآخر داخلان تحت القول الأول «١» .

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا: الجملة في محل نصب على الحال، أي لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة، على أن يكون النهي راجعا إلى القيد والمقيد لا إلى القيد فقط، وسمي متاع الحياة عرضا لأنه عارض زائل غير ثابت.

قال أبو عبيدة: يقال جميع متاع الحياة الدنيا عرض بفتح الراء، وأما العرض بسكون الراء فهو ما سوى الدنانير والدراهم، فكل عرض بالسكون عرض بالفتح، وليس كل عرض بالفتح عرض بالسكون.

وفي «كتاب العين» «٢» : العرض ما [نيل] «٣» من الدنيا، ومنه قوله تعالى:

تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وجمعه عروض.

وفي «المجمل» «٤» لابن فارس: والعرض ما يعترض للإنسان من مرض ونحوه، وعرض الدنيا ما كان فيها من مال قلّ أو كثر، والعرض من الأثاث ما كان غير نقد.


(١) انظر ذلك: في «فتح القدير» (١/ ٥٠١) .
(٢) هو لفريد عصره الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ النحاة، وهو مطبوع بالعراق وبيروت. [.....]
(٣) ما بين [معقوفين] حرّف إلى (نيل) والتصويب من فتح القدير (١/ ٥٠١) .
(٤) هو مجمل مقاييس اللغة لأبي الحسين ابن فارس الرازي، وقد طبع في بيروت، وغيرها.

<<  <   >  >>