للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا قال الشوكاني في «فتح القدير» «١» : إن في هذه الآية- باعتبار عموم لفظها، الذي هو المعتبر، دون خصوص السبب- دليلا على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله، بما يفيد النقص والاستهزاء للأدلة الشرعية، كما يقع كثيرا من أسراء التقليد، الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم سوى: قال إمام مذهبنا كذا! وقال فلان من أتباعه بكذا! وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية، أو بحديث نبوي، سخروا منه، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا، ولا بالوا به أي مبالاة، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع، وخطب شنيع، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع! بل بالغوا في ذلك، حتى جعلوا رأيه الفائل «٢» واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل، مقدّما على الله تعالى، وعلى كتابه وعلى رسوله، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، مما صنعت هذه المذاهب بأهلها، والذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم، بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة ب «القول المفيد في حكم التقليد» ، وفي مؤلفنا المسمى ب «أدب الطلب ومنتهى الأرب» ، اللهم انفعنا بما علمتنا، واجعلنا من [المتقيدين] «٣» بالكتاب والسنة، وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار، يا مجيب السائلين. انتهى.

إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ تعليل للنهي، أي إنكم إذا فعلتم ذلك، ولم تنتهوا، فأنتم مثلهم في الكفر، واستتباع العذاب، وقيل: هذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل:

وكل قرين بالمقارن يقتدي وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم، إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال: هي منسوخة بقوله تعالى: وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وهو مردود «٤» ، فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله، ويستهزؤون بها، وفي الأنعام نحوها «٥» .


(١) انظر: فتح القدير (١/ ٥٢٦) .
(٢) أي الضعيف. [الصحاح: فأل] .
(٣) في المطبوعة (المقتدين) والمثبت من فتح القدير (١/ ٥٢٦) .
(٤) قال ابن أبي حاتم في «الجرح» (٧/ ٢٧١) : «تفسير الكلبي باطل» .
(٥) آية رقم (٦٨) .

<<  <   >  >>