للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث التنظيم الإداري للدولة

[ثالثا: الكتابة والكتاب]

عرف العرب في الجاهلية منزلة الكتابة، وعدّوها أحد الأركان الثلاثة لاعتبار الرجل من الكاملين، ويشير ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) إلى ذلك بقوله: «الكامل عندهم في الجاهلية وأول الإسلام الذي يعرف يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي» «١» ومع أن العرب كانوا يأنفون من بعض الأعمال ويحتقرون صاحبها، إلا أن صنعة الكتابة لم تكن كذلك، فقد مارس مهنة التعليم كبار الأشراف في الجاهلية «٢» .

لقد كانت الأمية سائدة بشكل كبير في الجزيرة العربية، ويؤكد ذلك ما رواه البخاري (ت ٢٥٦ هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» «٣» وتشعر بذلك الاية الكريمة: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: ٤٨] «٤» وقوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: ٢] «٥» .

ويقول البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) : «دخل الإسلام، وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب ... » «٦» ، وهناك إشارات تدل على أن الذين كانوا يعرفون الكتابة في المدينة أحد عشر شخصا «٧» . ونحن لا يمكننا أن نعدّ هذه الإحصائية دقيقة خاصة أن مكة كانت موقعا تجاريّا ودينيّا وهذا يستدعي وجود عدد أكبر من المتعلمين، فقد ذكر ابن حبيب (ت ٢٤٥ هـ) جريدة بأسماء المعلمين الذين كانوا يلمون القراءة والكتابة في الجاهلية


(١) ابن سعد، الطبقات (ج ٣، ص ٥٤٢) .
(٢) منهم بشر بن عبد الملك السكوني أخو أكيدر صاحب دومة الجندل، وسفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس ابن عبد مناف بن زهرة. وعمرو بن زرارة بن عدس (وكان يسمى الكاتب) . انظر: ابن حبيب، المحبر (ص ٤٥٧) . وابن قتيبة، المعارف (ص ٣٢٦، ٥٥٣) . وابن حجر، الإصابة (ج ٢، ص ٣٩٤) .
(٣) أحمد، المسند (ج ٢، ص ١٢٢) . البخاري، الصحيح (ج ٣، ص ٣٥) .
(٤) انظر: القرطبي، الجامع (ج ١٤، ص ٣٥١) . السيوطي، الدر المنثور (ج ٦، ص ٤٧٠) .
(٥) انظر: القرطبي، الجامع (ج ١٨، ص ٩٢) . السيوطي، الدر المنثور (ج ٨، ص ١٥٢) .
(٦) البلاذري، فتوح (ص ٦٦٠، ٦٦١) . وكان منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة وأخوه خالد ونافع بن ظريب بن عمرو وحاطب بن بلتعة وسعيد بن العاص. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج ٢، ص ١٣٤) . ابن حبيب، المحبر (ص ٤٧٥) .
(٧) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت ٢٧٦ هـ) ، تأويل مختلف الحديث، تحقيق محمد زهدي النجار، بيروت، دار الجيل (١٩٧٣ م) ، (ص ٢٨٧) .

<<  <   >  >>