للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشارت الروايات إلى نوع اخر من البناء وهو بناء الخنادق، ولم يكن العرب يعرفون الخندق كخط دفاعي عن القرى والمدن إلا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم. فقد أشار سلمان الفارسي (ت ٣٥ هـ) بحفر الخندق «١» فاقتنع النبي صلّى الله عليه وسلم بفكرة سلمان، وقام بنفسه بتحديد مواقع الحفر ومسير الخندق «٢» جاعلا جبل سلع خلف ظهور المسلمين «٣» .

وحفر الرسول صلّى الله عليه وسلم ومن معه من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، وتظهر إدارة النبي في تنظيم العمل بأن قسمه بين المسلمين لإنجاز الحفر في أقصر مدة ممكنة، فجعل لكل عشرة رجال منهم أربعين ذراعا «٤» ، أي لكل رجل منهم أربعة أذرع، وقد تعاون المسلمون فكان كل من فرغ من عمله اتجه إلى مساعدة بقية إخوانه؛ لأن الأرض مختلفة من حيث سهولة الحفر وصعوبته، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يتجه لكسر الحجارة التي تستعصي عليهم في أثناء الحفر» .

وقد استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم في الحفر مجموعة من الالات من المساحي والمكاتل، استعار بعضها من بني قريظة، بغرض إنجاز عملية الحفر في الوقت المحدد التي كانت ستة أيام فقط «٦» .

أما صناعة «النجارة» فقد اشتهرت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم وكان النجارون يخدمون الأغراض العسكرية؛ وذلك باشتراكهم في صنع بعض الأسلحة، فصناعة الدبابة والمنجنيق تعتمد في الدرجة الأولى على النجارين، كما أن صناعة الرماح تدخل ضمنا في النجارة «٧» ، ويلاحظ من خلال الروايات أن معظم من كانوا يجيدون النجارة هم في الغالب من الموالى؛ نظرا لنفور العرب واحتقارهم للصناعات وأنفتهم منها.

لقد اعتبرت صناعة الأسلحة من أهم الصناعات في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكانت الإدارة النبوية قد اهتمت اهتماما خاصّا بهذه الصناعة، إذ إن الجهاد ونشر الإسلام يحتاج إلى القوة والسلاح؛ لذا نجد اهتماما خاصّا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسلاح وإعداده.

كانت توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلم للمسلمين لصناعة الأسلحة تقوم على حثهم على إتقان هذه الصناعة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن الله يدخل الثلاثة بالسهم الواحد الجنة،


(١) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج ٤، ص ٥١٤) .
(٢) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج ٤، ص ٥١٥) .
(٣) سلع: جبل بسوق المدينة. انظر: ياقوت، معجم (ج ٣، ص ٢٣٦، ٣٢٧) .
(٤) السمهودي، وفاء الوفا (ج ١، ص ٣٠١) .
(٥) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص ٤٩٧) .
(٦) المقريزي، إمتاع (ص ٢٢٥) .
(٧) العمري، الحرف والصناعات (ص ٢٣١) .

<<  <   >  >>