للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمير» «١» ولم يكن ذلك على سبيل الوظيفة المخصصة له، فكان البخاري (ت ٢٥٦ هـ) دقيقا حين قال: «بمنزلة صاحب الشرطة» ، إذ إن هذه الوظيفة ظهرت فيما بعد. يقول ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) : «وعلى هذا فكان قيسا من وظيفته أن يفعل ذلك بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلم يأمره سواء كان ذلك خاصّا أو عامّا، وفي الحديث تشبيه بمعنى حدث بعده؛ لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في الزمن النبوي فأراد أنس، وهو راوي الحديث- تقريب حال قيس عند السامعين فشبههه بما يعهدونه» «٢» ، وقام بهذه المهمة كذلك مجموعة من الصحابة بتكليف من الرسول صلّى الله عليه وسلم منهم علي بن أبى طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت «٣» ، وهذا كان نواة لنظام العسس الذي اتسع فيما بعد، وأصبح يقوم بمهمات كثيرة، منها العسس، وإقامة الحدود، والتعازير إلى غير ذلك «٤» .

ولما كان من الناس من لا يثنيه الوعظ ولا يقوده للاستجابة إلى الحق، كان من الضروري تنفيذ الأحكام بطريق «التنفيذ الجبري» ، ومن وسائله الترسيم «٥» والسجن أو الحبس، وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس في تهمة، يروي البخاري (ت ٢٥٦ هـ) :

«أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد» «٦» وذكر ابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) في معرض حديثه عن بني قريظة حين نزلوا على حكم سعد بن معاذ (ت ٥ هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث- امرأة من الأنصار- حتى ضرب أعناقهم» «٧»


(١) البخاري، الصحيح (ج ٩، ص ٨) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج ٣، ص ١٢٨٩) . ابن القيم، زاد المعاد (ج ١، ص ٦٥) .
(٢) ابن حجر، فتح الباري (ج ٢٧، ص ١٥٦، ١٥٧) .
(٣) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج ٢، ص ٣٩٦) . ابن القيم، زاد المعاد (ج ١، ص ٦٥) . ابن الجوزي، تلقيح مفهوم الأثر (ص ٨١) .
(٤) كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، ومنير البعلبكي (ط ١) بيروت، دار العلم للملايين، (١٩٤٨ م) ، (ص ٥٠، ٥١) . محمد الشريف الرحموني، نظام الشرطة في صدر الإسلام إلى أواخر القرن الرابع الهجري، الدار العربية للكتاب، (١٩٨٣ م) ، (ص ٥٢، ٥٣) .
(٥) أصل الترسيم، مأخوذ من قولهم: رسم كذا أي كتب، والروسم: بالسين والشين، خشبة بها كتابة يختم بها الطعام أو الغلة على البيدر. انظر: ابن منظور: اللسان (ج ١١، ص ٢٤٢) .
(٦) البخاري، الصحيح (ج ١، ص ١٢٧) ، (ج ٣، ص ١٦١) ، (ج ٥، ص ٢١٤، ٢١٥) . النّسائي، السنن (ج ٢، ص ٤٦) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج ١، ص ٢٩٤، ٢٩٥) .
(٧) ابن هشام، السيرة (م ٢، ص ٢٤٠) . وانظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص ٣١٣) . الكتاني، التراتيب-

<<  <   >  >>