للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اثني عشر نقيبا فأخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا» «١» . ولكن ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) يروي رواية أخرى تشير إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم هو الذي اختار النقباء وقال لهم: «فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبريل عليه السّلام» «٢» .

ويؤيد هذا الرأي ما أشار إليه مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) بقوله: «كنت أعجب كيف جاء من قبيلة رجل، ومن قبيلة رجلان حتى حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل كان يشير إليهم يوم البيعة» «٣» . ولكن يلاحظ من خلال استعراض أسماء هؤلاء النقباء أنهم كانوا من المنظور إليهم في أقوامهم ولهم مكانة اجتماعية مميزة، وذلك كان ضروريّا لتقتنع هذه القبائل بهم، ومن خلال نظام النقباء الذي أحدثه النبي صلّى الله عليه وسلم استطاع أن يحافظ على التقسيمات القبلية للبطون والأفخاذ في المدينة ويسخرها في نفس الوقت لخدمة النظام الجديد.

لقد تم اختيار النقباء، وكان هذا أول تنظيم إداري عملي حدد النبي صلّى الله عليه وسلم فيه مسؤولية هؤلاء النقباء ووضع لهم نظاما خاصّا في الإتصال والحركة بوصفهم نواة للمجتمع الجديد، فقال لهم: «أنتم كفلاء على قومكم» «٤» . وهذه الكفالة كانت توجب على هؤلاء أن يحافظوا على انضباط قومهم والتزامهم بمبادئ الدين الجديد ولم يعف النبي صلّى الله عليه وسلم نفسه من المسؤولية فقال: «وأنا كفيل على قومي» «٥» وينتظر أن يكون هؤلاء النقباء هم رجال النظام الإداري للدولة القادمة، ووصل هذا النظام إلى درجة دقيقة من الدقة واتباع التسلسل الهرمي في المسؤولية بحيث جعل النبي صلّى الله عليه وسلم «أسعد بن زرارة (ت ١ هـ) نقيبا للنقباء» «٦» . وكانت مهمة أسعد تصل أحيانا إلى أن يفوض عن النبي صلّى الله عليه وسلم في حالة غيابه، فيروي البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) : «أن سليط بن قيس (ت ١٣ هـ) حضر يوم


(١) إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: ١٢] . وانظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ٤٤٣، ٤٤٤) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢٥٣) (الواقدي) . الطبري، تاريخ (ج ٢، ص ٣٦٢) . ابن الأثير، الكامل (ج ٢، ص ٩٩) .
(٢) ابن سعد، الطبقات (ج ٢، ص ٢٢٢، ٢٢٣) .
(٣) الذهبي، السيرة (ص ٢٠٧) . ويرى سرجنت «أن عدد النقباء اثنا عشر هو مجرد مصادفة وليس مخططا» . انظر:
.Sarjeant, Constitution of Medina, Islamic Guar lerly, London, ١٩٧٨, part ١, p.p.١٠.
(٤) ابن هشام، السيرة (م ١، ص ٤٤٣- ٤٤٤) . وانظر: ابن سعد، الطبقات، (ج ١، ص ٢٢٢، ٢٢٣) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢٥٣) (الواقدي) .
(٥) الأجزاء والصفحات نفسها.
(٦) ابن سعد، الطبقات (ج ٣، ص ٦٠٣) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢٥٣) (الواقدي) .

<<  <   >  >>