للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٨- باب: وحدة المسلمين وتراحمهم

عن النّعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» . [أخرجه البخاري وكذلك مسلم «١» بعبارات مختلفة] .

[اللغة:]

التراحم والتواد والتعاطف: كلها من باب التفاعل الذي يستدعي اشتراك الجماعة في أصل الفعل، وهي وإن تقاربت في المعنى بينها فرق لطيف، فالتراحم:

رحمة بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب آخر، والتواد: التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي والتعاطف: إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثوب على الثوب تقوية له، وتداعوا: دعا بعضهم بعضا، ومنه تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت، وسائر: بمعنى باقي، والحمّى: تلك الحرارة المرتفعة التي تضر بالأعمال الطبيعية.

[الشرح:]

يمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذه الخلال «٢» الثلاث بالجسد الواحد، فكما أن الجسد إذا مرض منه عضو تألم له الباقي، فلم يذق نوما وسارت إليه حرارة الحمّى، فالمته، فكذلك المؤمنون حقيقة إذا ناب واحدا منهم نائبة شعر بألمها الباقون، فسعوا بما فيهم من العواطف لدفع الألم عنه، وجلب الخير إليه.

فالمسلمون في مجموعهم كشخص واحد وكل فرد منهم بالنسبة للمجموع كالعضو بالنسبة للشخص، فالخير يصيب الواحد منهم كأنما أصاب كلهم؛ والشر ينوبه «٣» كأنما ناب جميعهم؛ فليعتبر بهذا الحديث بعض الأمم الإسلامية التي لا تألم لما يصيب جارتها، بل ربما ساعدت عدوّها على القضاء عليها وليعتبر به أولئك الأفراد الذين جدوا في اصطياد مصالحهم الشخصية وإن أضرت باخرين؛ وإذا ما طلب منهم مواساة إخوانهم ولوا على أدبارهم نفورا، أولئك لم يتوطن الإيمان بعد نفوسهم.


(١) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم (٦٠١١) . ورواه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (٦٥٢٩) .
(٢) الخلال: ج الخلّة: الخصلة.
(٣) ينوبه: يصيبه.

<<  <   >  >>