للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يزيدهم الله ضلالا إلى ضلالهم، وفسقا إلى فسقهم؛ عقابا لهم على مجاهرتهم فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً «١» . فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «٢» ، فالتوبة منهم غير مأمولة، والنصيحة لهم غير مقبولة، فكيف يرجى لهم من الله عفو، ويؤمل عنهم صفح. وسنته ونظامه أن عفوه للتائبين، وصفحه عن النّبيّين «٣» ، وأن التأثر بالنصائح لمن لم يمت فيهم الاستعداد بالاستهتار في العصيان. أما من فقدوا الاستعداد فقرع الآيات يزيدهم غيا إلى غيهم وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ «٤» ، فكيف يكون هؤلاء من المعافين، وإلى ذلك أن مجاهرتهم بالمعصية دعوة عملية للإقتداء بهم في إجرامهم، وسلوك سبيلهم، فيجيبهم ضعفاء الإيمان، واهنوا «٥» الإرادة، فيحملون من وزرهم، ويكتب لهم من فسقهم «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» «٦» ، فإن أمكنهم التخلص من آثامهم بالتوبة النصوح- إن كان لها في نفوسهم موضع- فكيف يتخلصون من أوزار من أضلوهم بغير علم؟

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من المجاهرة والإعلان، أو من الفحش والإهجار، أو من المجون والاستهتار، وعدم المبالاة بالدّين، وبرقابة الخبير العليم؛ وبشعور المسلمين- أن يقترف المرء جرما بالليل، ويغشى فاحشة تحت سترة البهيم. حيث النفوس عنه غافلة، والأبصار إليه ناظرة؛ وإن كانت عين الله راعية، وأقلام الكتبة الكرام مقيدة. ثم يصبح؛ ولم يقف على جرمه إلا علام الغيوب، وستار الذنوب فيهتك الستر، ويبوح بالسر، ويعلن عن نفسه بالإجرام، وعن سيرته بالسوء. ويلطخ عرضه بدنس الآثام، ورجس الشيطان فيقول للناس إذا ما أصبح وجمعته المجالس


(١) سورة البقرة، الآية: ١٠.
(٢) سورة الصف، الآية: ٥.
(٣) النّبيين: ناب إلى الله: تاب ولزم طاعته.
(٤) سورة التوبة، الآية: ١٢٥.
(٥) واهنوا: ضعيفوا.
(٦) ورواه مسلم في كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (٦٧٤٥) . ورواه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو إلى ضلالة وقال: حسن صحيح (٢٦٧٤) . رواه ابن ماجه في المقدمة، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (٢٠٦) .

<<  <   >  >>