للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم قباء من ديباج مزرور، فقال: «يا مخرمة خبأنا لك هذا» ، وجعل يريه محاسنه، وقال: «أرضي مخرمة» ، رواهما الشيخان «١» ، ومنها ما رواه أنس أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة- فرو طويل الكمين- من سندس- رفيع- أهداها له ملك الروم، ثم بعث بها إلى جعفر، فلبسها. ثم جاءه. فقال: «إني لم أعطكها لتلبسها» ، قال: فما أصنع؟

قال: «أرسل بها إلى أخيك النجاشي» - رواه أبو داود «٢» ، ولبس الحرير أكثر من عشرين صحابيا. منهم أنس والبراء بن عازب راوي حديثنا.

من أجل هذا التعارض في الأدلة كان تحريم لبس الحرير موضع نظر.

فحكى القاضي عياض عن جماعة إباحته، منهم ابن علية؛ ولكن جمهور الفقهاء على التحريم للأحاديث التي سقناها أولا.

وقالوا إن حديث عقبة فيه «أنه لا ينبغي هذا للمتقين» ، فإذا كان لبسه لا يلائم المتقين فهو بالتحريم أجدر، وقالوا في حديث المسور وحديث أنس: إنهما من قبيل الأفعال، فلا تقاوم الأقوال الدالة على التحريم. على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير، ثم كان التحريم آخر الأمر كما يشعر بذلك حديث جابر قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه، ثم أوشك أن نزعه، وأرسل به إلى عمر بن الخطاب، فقيل: قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله، قال: «نهاني عنه جبريل عليه السّلام» ، فجاءه عمر يبكي، فقال يا رسول الله كرهت أمرا، وأعطيتنيه، فما لي؟ قال: «ما أعطيتك لتلبسه، إنما أعطيتك تبيعه؛ فباعه بألفي درهم» ، رواه أحمد، وروى مسلم نحوه «٣» ، وقالوا أيضا: حديث أنس في سنده علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه؛ وقال الخطابي. يشبه أن تكون المستقة مكففة بالسندس، وقالوا إن ما لبسه الصحابة كان خزا؛ وهو ما نسج من صوف وإبريسم.

هذا وقال محمد بن علي الشوكاني في كتابه «نيل الأوطار» يمكن أن يقال إن لبسه صلى الله عليه وسلم لقباء الديباج وتقسيمه للأقبية بين أصحابه وليس فيه ما يدل على أنه متقدم


(١) رواه البخاري في كتاب: اللباس، باب: القباء وفرّوج حرير وهو القباء (٥٨٠٠) . ورواه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: إعطاء من سأل بفحش أو غلظة (٢٤٢٨) .
(٢) رواه أبو داود في كتاب: اللباس، باب: من كرهه (٤٠٤٧) .
(٣) رواه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم لبس الحرير وغير ذلك للرجال (٥٣٨٦) .

<<  <   >  >>