للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعبادة ربه، والدعوة إلى دينه، وكذلك إذا خيّره أهل بيته بين أمرين اختار أيسرهما، فإذا خيّروه بين طعامين اختار أدناهما كلفة. وإذا استشار أصحابه في أي الطرق يسلك في سفرة أو غزوة، وفي أي الأماكن ينزل، أو في أي البقاع تكون المعركة، فأشاروا بأمرين اختار الأيسر منهما، وهكذا دأبه، ما لم يكن أحد الأمرين معصية، فإنه يكون أبعد الناس منه، وكيف لا تنفر نفسه الطيبة الطاهرة بما يخدش طاعته لربه، وحرصه على شرعه ولن يخيره بين طيب وخبيث. كماء وخمر إلا جاهل بالدّين، أو منافق. أو كافر لا يعلم أحكام الشريعة، ذلك الخلق الأول.

أما الخلق الثاني فكان صلى الله عليه وسلم لا يناله أمر يمضه من جفاة الأعراب أو من ضعفة الإيمان، أو من أعدائه فينتقم لنفسه. فالأعرابي الذي جفا عليه في صوته، والآخر الذي جذبه من ردائه حتى أثر في كتفه، وذلك الذي اتهمه بالظلم في القسمة، وذلك الذي أخذ منه سيفه على غرة وأراد الفتك به، فسقط من يده، وتناوله الرسول صلى الله عليه وسلم.

كل أولئك وأمثالهم صفح عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم يكن الإيذاء له انتهاك لحرمة من حرمات الله، واعتداء على شرعه فإنه ينتقم لله، انتصارا لدينه، وقياما بواجب النهي عن المنكر.

ولذلك أقام حد القذف ثمانين جلدة على من رمى زوجه البتول بالإفك، وآذاه في أهل بيته وأهدر دماء جماعة من المشركين لما فتح مكة ممن كانوا يؤذونه لأنهم كثيرا ما انتهكوا حرمات الله وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «١» .

والحديث يحثنا على أخذ اليسر، والرغبة عن العسر، ويدعونا إلى الأخذ بالرخص إن كانت على النفس أسهل. والعفو عن المسيئين إلا أن ينتهكوا حرمات هذا الدّين، ويندبنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذنا في ذلك هوادة «٢» .


(١) سورة النور، الآية: ٢.
(٢) الهوادة: اللين والرفق.

<<  <   >  >>