للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو يخشون قوارع «١»

تحل بهم أو نوائب تصيبهم فتطير قلوبهم هلعا ونفوسهم جزعا، وخليق بهم أن يعدوا لكل أمر عدته، ولكل شدة وقايتها وأن يكون تفكيرهم في الوسائل المنجية من البلاء أو المبعدة عنه أو المخففة من وقعه.

فمن أجل أن الهم مضيعة للوقت في غير جدوى، وأنه داع إلى التقصير في الواجب وأنه تقاعد عن التدبير النافع لنيل الخير المرجو، أو تجنب الشر المحذور، من أجل ذلك تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه كما تعوذ من الحزن الذي يكون على أمر محبوب فات نيله. أو ضر نزل لا يقلع، فهذا أيضا مذموم. وقد نهانا الله عنه بقوله: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا «٢»

، وبقوله حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «٣» .

ولو كان الحزن يرد فائتا، أو يدفع واقعا لكنا فيه معذورين، ولكنه مضيعة للوقت وسخط على القضاء، وتعلق بما لا سبيل له وتكاسل عن اتخاذ الأسباب لدفع المصيبة أو تخفيف ألمها، فمن أجل ذلك أيضا تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه.

وعلى المؤمن أن يدرع بالصبر ويأخذ لنفسه من حوادثه وحوادث غيره عظات لما يستقبل من أيامه حتى لا يقع فيما وقع فيه من قبل «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» ، والله سبحانه يختبر بالمصائب عباده، ليميز الخبيث من الطيب ويستبين من كان قوي العزيمة كثير الجلد والتصبر من الخائر «٤»

الهلوع قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «٥» .

وقال عز شأنه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ «٦» .

[الثالث والرابع: مما تعوذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم العجز والكسل]

والأول: عدم القدرة على الشيء، والثاني: التقاعد عنه مع استطاعته، وإذا علمت أن بالعمل مكانة الإنسان في هذه الحياة وعلوه ورفعته، وأن به السعادة في الآخرة والفوز بالنعيم المقيم، وأن


(١) قوارع: جمع القارعة: وهي المصيبة.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٣٩.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٤٠.
(٤) الخائر: الضعيف المنكسر.
(٥) البقرة، الآية: ١٥٥.
(٦) سورة العنكبوت، الآيتان: ٢، ٣.

<<  <   >  >>