للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا القبيل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة سودة بنت زمعة بالاحتجاب من أخيها ابن جارية أبيها لما ادعى بنوته عتبة بن أبي وقاص. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» «١» وحكم به لزمعة، وأمر سودة بالاحتجاب منه لما رآه شبيها في الصورة بعتبة. ومن هذا أيضا شخص أرسل كلبه للصيد وسمى عند الإرسال. فوجد عند الصيد مع كلبه كلبا آخر لم يسم عليه ولا يدري أيهما الذي صاد، فإنه يترك الأكل منه، وكذلك مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة ساقطة فقال: «لولا أن تكون صدقة لأكلتها» - ذكر هذه المسائل الثلاث البخاري في صحيحه- وعد بعض العلماء المكروه من المشتبهات إذ تنازعه الإذن فيه والمنع منه، ومن المشتبهات مال شخص لا يتحرج في كسبه عن الحرام، فترك معاملته والأكل من ماله الورع، كذلك من الشبهات المكاسب الناتجة عن صلح لم تكن نفوس المتصالحين به طيبة لقسر شابه «٢» .

وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم العلم بالمشتبهات عن كثير من الناس فأفاد أن بعضهم قد يعلم حقيقتها، وأنها من وادي الحلال أو الحرام، فلا تكون إذ ذاك مشتبهة عنده، بل لها حكم الحلال البين أو الحرام البين، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من تحامى المشتبه الذي قد يكون في الواقع إثما حراما كان للحرام البين أشد تحاميا، ومن جرأ نفسه وشجعها على اقتحام الشبهات والوقوع فيها مع قيام الشك ومخالطة الريب كاد يواقع الحرام البين. فالشبهات وقاية دون الحرام، فمن انتهكها كاد يتردى في هاوية الحرام، ومن تجنبها كان في مأمن منها، بعيدا عنها، فاجعل بينك وبين الحرام حصنا، واضرب دونه سدا.

وما المعاصي إلا كالأرض التي يحميها الملوك، فيخصونها ببهمهم «٣» ويمنعونها من غيرهم، فمن ترك من الرعاة منطقة حولها، لا يرعى فيها بهمه أمن الوقوع في الحمى، وسلم من سخط الملوك والتعرض لعقابهم، ومن رعى في المنطقة المجاورة لا يأمن الوقوع فيه، كذلك المعاصي هي حمى الله في أرضه، والشبهات منطقة حولها فمن ترك الشبهات كان للمعاصي أترك، ومن خالطها كان إلى


- ورواه الترمذي في كتاب: صفة القيامة، باب: ٦٠ (٢٥١٨) مطولا.
(١) أي الولد للشخص الذي ولد على فراشه ولا شيء للعاهر الزاني أو له الرجم بالحجارة.
(٢) لقسر شابه: لقهر خالطه.
(٣) ببهمهم: البهائم: الضأن والمعز.

<<  <   >  >>