للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبيلا يحله من هذا التعاقد.

لذا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كلا من البائع والمشتري بالخيار بعد الإيجاب والقبول بين إمضاء البيع أو فسخه ما داما في مجلس البيع فلكل منهما أن يفسخه بدون رضا الآخر، ويسمى هذا (خيار المجلس) .

أما إذا ترك أحدهما صاحبه فلا خيار لهما ولا لأحدهما لأن ما كان بينهما من عقد قد تأكد بالمفارقة فلا سبيل إلى العدول عنه إلا برضا الطرفين بالإقالة.

فالتفرق المذكور في الحديث هو التفرق بالأبدان لأنه المفهوم عند الإطلاق إذا قيل تفرق الناس ولأن البيّعين (بتشديد الياء) هما البائع والمشتري على ما تقدم، ولا يسمى أحدهما بيّعا حقيقة إلا بعد حصول العقد منهما، ومتى حصل العقد لا يكون منهما تفرق بالأقوال لا بالأبدان. ولأن كل واحد يعلم بداهة علما عاما أن المشتري بالخيار ما لم يوجد منه قبول المبيع، وأن البائع خياره ثابت في ملكه قبل أن يعقد البيع.

فلو كان المراد من التفرق الإختلاف في الأقوال وهي الإيجاب والقبول- إذ ليس بينهما أقوال سواهما- لخلا الحديث عن الفائدة ولم يكن له معنى- وبهذا تمسك من أثبت لكل من المتبايعين خيار المجلس، وهم جماعة من الصحابة والتابعين منهم: علي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وشريح، والشعبي، وعطاء- وذهب مالك وأبو حنيفة إلى عدم القول بخيار المجلس وإلى أن الصفقة متى تمت بالإيجاب والقبول فلا خيار إلا بالشرط.

ولم يعملوا بهذا الحديث لمعارضته ما هو أقوى منه من نحو قوله تعالى:

وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ «١» لأن الآية تدل على طلب الإشهاد عند البيع فإن وقع قبل التفرق لم يكن له فائدة مع ثبوت خيار المجلس.

وإن وقع بعد التفرق، لم يصادف محله لأنه وقع بعد تمام البيع.

وقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «٢» والراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يكن


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٨٢.
(٢) سورة المائدة، الآية: ١.

<<  <   >  >>