للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مظلمة لأخيه فليتحلّله منها فإنّه ليس ثمّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات أخيه فطرحت عليه» .

[رواه البخاري «١» ] .

[اللغة:]

مظلمة: بكسر اللام مصدر ظلم كضرب: وهو الجور والإيذاء يتحلله منها: يستبرئه منها بإيفائه إياها أو إبرائه- ثم: في اليوم الآخر يؤخذ من حسناته: من ثوابها.

[الشرح:]

ما أجمل العدل وإيتاء كل ذي حق حقه، وما أحسن الوئام يجمع شمل المسلمين، ويقوي رابطتهم ويشد أواصر «٢» وحدتهم، وما أجدرهم أن يصدروا في أعمالهم عن حب يتبادلونه، وإخلاص يفيض عليهم هناءة وسعادة، وما أشقاهم إذا لبسوا ثياب النمور، واضطغنوا «٣» بالإحن والبغضاء واستشعروا الغل والضغن كل يبغي الشر لأخيه ويود لو التهم ما في يده وأودى بطارفه وتالده واستأثر دون الآخر بالخير ومرافق الحياة.

ماذا يرجو الظالم من ظلمه؟ وماذا يرتجي لعاقبته؟ وما الذي أعدّه يوم يقتص منه ويؤخذ للمظلوم بحقه، لئن غره إقبال الأيام وابتسام الدهر له فليحذر تقلباته فإنها شديدة قاسية؟ ولئن اعتز بقوة جسمه، وامتداد سلطانه فسيذوق لطغيانه وتجبره مرارة الصاب والعلقم «٤» .

يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، هنالك تنجاب «٥» عن العيون الغشاوة «٦» ويتفرق عن العاصي الأصحاب والأنصار، ولا يبقى إلا ما أسلف من خير أو شر.


(١) رواه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: القصاص يوم القيامة (٦٥٣٤) .
(٢) أواصر: الآصرة: ما عطفك على غيرك من رحم أو قرابة أو معروف.
(٣) اضطغنوا: انطووا على الأحقاد.
(٤) العلقم: كل شيء مر.
(٥) تنجاب: تنكشف وتنقطع.
(٦) الغشاوة: الغشاء وهو الغطاء.

<<  <   >  >>